الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العاقد يعتقد صحة العقد، ولا يعلم بفساده حين العقد، فإنه لا ينقض، خاصة إذا فاتت السلعة باستهلاك، أو بيع، أو غيره من التصرفات. وهذا هو ما نسبه السائل لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال -كما في مجموع الفتاوى-: أما إن كان العاقد يعتقد صحة العقد: وهكذا كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير: مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل. ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته. ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها؛ فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تنقض بعد ذلك؛ لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد. اهـ.
وأمّا ما أشار إليه السائل من الحرج الذي يقع فيه، فلا نوافقه عليه، فإن تحديد السعر أو الثمن في البيع، أو الاستصناع، أو غيرهما من عقود المعاوضات، لا يترتب عليه حرج شديد، وفي المقابل يوجد احتمال وقوع نزاع بين طرفي العقد بسبب عدم العلم بالثمن، ومنع هذا النزاع هو الذي يراعى في العقود الشرعية، فإن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
وبخصوص العقد الذي أشار إليه السائل من طلب صنع بعض الأشياء من المصنع، فهذا ليس بيعًا، وإنما هو استصناع، والاستصناع كالبيع في اشتراط معلومية الثمن.
جاء في المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، في المعيار رقم (11) المتعلق بالاستصناع، في بيان صفة عقد الاستصناع وشروطه: عقد الاستصناع ملزم للطرفين إذا توافرت فيه شروطه، وهي: بيان جنس الشيء المستصنع، ونوعه، وقدره، وأوصافه المطلوبة، ومعلومية الثمن. اهـ.
وجاء في هذا المعيار عند بيان ما يتعلق بثمن الاستصناع: يشـترط أن يكون ثمن الاسـتصناع معلومًا عند إبرام العقد. اهـ.
وإذا كان سبب الحرج الذي ذكره السائل هو التغير السريع في تكلفة المستصنع، فهذا يمكن معالجته بالتراضي بين الطرفين، أو بالتحكيم الشرعي.
جاء في المعيار السابق: إذا وجدت ظروف طارئة تسـتدعي تعديل ثمن الاستصناع زيادة أو نقصًا، فإنه يجوز باتفاق الطرفين، أو بالتحكيم، أو بالرجوع إلى القضاء. اهـ.
والله أعلم.