الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أخذته السائلة من صاحب العمل بغير إذنه، حق ثابت في ذمتها، يجب عليها أداؤه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي.
قال الصنعاني في (سبل السلام): الحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه؛ لقوله: "حتى تؤديه" ولا تتحقق التأدية إلا بذلك، وهو عام في الغصب والوديعة والعارية. اهـ.
وإذا جهلت السائلة قدر هذا الحق، ولم تستطع مصارحة صاحب العمل لتطلب عفوه، أو لتصالحه عنه، فعليها أن تحتاط فيه، أو تعمل بغلبة ظنها في تقدير ما تبرأ ذمتها بأدائه، وتراجع في ذلك الفتويين: 359215، 21017.
وأمّا ما ذكرته السائلة من حقوق لها عند صاحب العمل، فهو محل نزاع وخصومة، والفصل في ذلك مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها من مجالس التحكيم، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأمّا المفتي؛ فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وعلى فرض أن لها حقا ثابتا بيقين، وصاحب العمل ينكره أو يجحده، ولا تستطيع أخذه إلا بهذه الطريقة، فهذا يدخل في مسألة الظفر، وهي محل خلاف بين أهل العلم.
والقول الوسط في هذه المسألة هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو التفريق بين ما إذا كان سبب الحق ظاهرًا، فلا ينسب صاحبه للخيانة بأخذه، وما إذا كان خفيًّا، فينسب صاحبه للخيانة بأخذه، كما هو حال السائلة. وراجعي في ذلك الفتوى: 152593.
والله أعلم.