توضيح حول درجة حديث: إذا دخلتَ على مريضٍ فمُره أن يدعوَ لك...

15-9-2025 | إسلام ويب

السؤال:
قرأتُ في موقعكم تضعيفَ حديث: «إذا دخلتَ على مريضٍ فمُره أن يدعوَ لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة».
غير أن شخصًا نشر مقطعًا وذكر فيه هذا الحديث، وقال: إن الإمام النووي صحّح إسنادَه. وقد بحثتُ عن ذلك، فلم أجد سوى أنه استحبّ طلب الدعاء من المريض. فهل ما ذكره عن تصحيح النووي لهذا الحديث صحيح؟ وهل هناك خلاف في درجته؟ وإذا لم يكن كذلك، فهل يُرجى أن تكون دعوة المريض مستجابة كدعاء الملائكة؟ وهل يصح أن نقول: "إنها كدعاء الملائكة" حتى لو لم ننسب الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال الإمام النووي في كتابه المجموع شرح المهذب: يستحب طلب الدعاء من المريض، لحديث عمر -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك، فإن ‌دعاءه ‌كدعاء ‌الملائكة. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. اهـ.

لكنه في كتبه الأخرى بيّن أن الإسناد منقطع، فقال في كتابه الأذكار: روينا في سُنن ابن ماجه، وكتاب ابن السنّي بإسناد صحيح، أو حسن، عن ميمون بن مهران، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-... فذكر الحديث، وقال: لكن ميمون بن مهران لم يدرك عمر. اهـ.

وفي كتابه خلاصة الأحكام ‌‌في (باب استحباب المسح على المريض باليد مع الدعاء) ذكر الحديث تحت (فصل في ضعيف الباب)، وقال: رواه ابن ماجه، وهو منقطع، ولد ميمون بعد وفاة عمر بنحو ثمان عشرة سنة. اهـ.

فبجمع كلام الإمام النووي، وضم بعضه إلى بعض، يتبين أنه لم يصحح إسناد الحديث بإطلاق، بل ذكر انقطاعه، والانقطاع علّة قادحة تمنع صحة الحديث كما هو معلوم. بل صرّح بضعف الحديث، بذكره في فصل الأحاديث الضعيفة في خلاصة الأحكام -كما تقدم-.

فحكم النووي على إسناد الحديث بالصحة أو الحسن، إنما هو حكم على السند من أوله إلى ميمون، وأمّا ما بين ميمون وعمر، فقد أبان أنه منقطع بقوله: وميمون بن مهران لم يدرك عمر. اهـ.

مع التنبيه إلى أن قول العالم عن حديث: إسناده صحيح، لا يستلزم الحكم على الحديث بالصحة؛ لأن الإسناد قد يكون ظاهره الصحة، لكنه يُضعَّف لعلة أخرى.

قال ابن الصلاح كما في مقدمته في علوم الحديث: قولهم: هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، دون قولهم: هذا حديث صحيح، أو حديث حسن؛ لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذًا أو معللاً. اهـ.

ثم إن الحافظ ابن حجر ذكر للحديث علّة أشد من الانقطاع، فقال في «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» تعليقًا على كلام النوويلكن ميمون بن مهران لم يدرك عمر.
قلت: فلا يكون صحيحًا، ولو اعتضد لكان حسنًا، لكن لم نجد له شاهدًا يصلح للاعتبار، فقد جاء من حديث أنس، ومن حديث أبي أمامة، ومن حديث جابر، وفي سند كل منهما من نسب إلى الكذب.

ثم وجدت في سند ميمون علّة خفية تمنع من الحكم بصحته وبحسنه، وذلك أن ابن ماجه أخرجه عن جعفر بن مسافر -وهو شيخ وسط، قال فيه أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: صالح، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ- رواه عن كثير بن هشام -وهو ثقة من رجال مسلم- عن جعفر بن برقان... وهو من رجال مسلم أيضًا، لكنه مختلف فيه، والراجح أنه ضعيف في الزهري خاصة، وهذا من حديثه عن غير الزهري، وهو ميمون بن مهران.
وأخرجه ابن السنّي من طريق الحسن بن عرفة -وهو أقوى من جعفر بن مسافر- عن كثير بن هشام، فأدخل بين كثير وجعفر بن برقان عيسى بن إبراهيم الهاشمي، وهو ضعيف جدًا نسبوه إلى الوضع، فهذه علّة قادحة تمنع من الحكم بصحته لو كان متصلًا، وكذا بحسنه. اهـ.

ولم نقف على من صرّح بتصحيح هذا الحديث من علماء الحديث المعروفين.

وأما استجابة دعاء المريض: فهناك أحاديث صحيحة أخرى يمكن أن يستدل بها على ذلك، منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده. أما علمت أنك ‌لو ‌عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي.

جاء في مدارج السالكين لابن القيم: فقال في عيادة المريض: "لوجدتني عنده"، وقال في الإطعام والإسقاء: "لوجدت ذلك عندي"، ففرّق بينهما، فإن المريض مكسور القلب ولو كان من كان، فلا بد أن يكسره المرض، فإذا كان مؤمنًا قد انكسر قلبه بالمرض، كان الله عنده.
وهذا -والله أعلم- هو السر في استجابة دعوة الثلاثة: المظلوم، والمسافر، والصائم للكسرة التي في قلب كل واحد منهم، فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه، وكذلك الصوم، فإنه يكسر سورة النفس السبعية الحيوانية ويذلها
. اهـ.

والمراد بتشبيه دعاء المريض بدعاء الملائكة في الحديث المسؤول عنه: أن دعاء المريض مستجاب، كما أن دعاء الملائكة يستجاب ولا يرد، وأنه دعاء ممن لا ذنب عليه؛ لأن المرض يمحص الذنوب.

جاء في «فيض القدير» للمناوي: (فإن ‌دعاءه ‌كدعاء ‌الملائكة) في كونه مفضلًا مسموعًا، وكونه دعاء من لا ذنب عليه؛ لأن المرض يمحص الذنوب، والملائكة لا ذنوب لهم لعصمتهم...
قال بعض العارفين: الله تعالى عند عبده إذا مرض ألا تراه ماله استغاثة إلا به، ولا ذكر إلا له، فلا يزال الحق في لسانه منطوقًا به، وفي قلبه التجأ إليه، فالمريض لا يزال مع الله ولو تطبب وتناول الأسباب المعتادة لوجوده الشفاء عندها، ومع ذلك فلا يغفل عن الله.
ويأتي في حديث: (إن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده)، فوجوده عنده هو ذكر المريض ربه في علّته بحال انكسار واضطرار، فلذلك كان ‌دعاءه ‌كدعاء ‌الملائكة
. اهـ.

على أن عامة العلماء يرون أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، مما لا تعلق له بأحكام الحلال والحرام، كما هو مبين في الفتويين: 402316، 19826.

وأما قولك: (وهل يصح قولنا أنه كدعاء الملائكة، حتى لو لم ننسب الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم): فهذا أمر ديني غيبي، لا يمكن قوله دون نص شرعي، فإذا لم يصح الحديث فلا يصح إطلاق هذا القول.

والله أعلم.

www.islamweb.net