الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحكمة من بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الخلق هي إقامة الحجة، لئلا يقول الناس يوم القيامة إنه لم يأتهم خبر عن تكليف الله لهم بالعبادة، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة:19].
وأما تعدد الرسل في الفترة الزمنية الواحدة فله حكم كثيرة، منها: أن الرسول كان يبعث إلى قومه خاصة، وقد صرح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي..... وذكر منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة. متفق عليه، فتعدد الرسل لتعدد الأمم التي يبعثون إليها.
ومن ذلك أن الرسول كان يبعث بلسان قومه خاصة، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، فاحتيج إلى تعدد الرسل في الفترة الواحدة لتعدد اللغات المنطوقة بين المجتمعات.
ومنها: أن الرسول قد يحتاج إلى من يعينه ويبين عنه، كما هو الحال في موسى الذي طلب من الله تعالى أن يعينه بأخيه هارون لهذا الغرض، قال تعالى حكاية عنه: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ [القصص:34]،.
ومنها: أن المرسل إليهم قد يكون فيهم من العتو والبعد عن الهدى ما يحتاج معه إلى أكثر من رسول زيادة في إقامة الحجة عليهم؛ كما هو الحال في أهل القرية التي كذبت رسولين، فزيد ثالث، قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ [يس:13-14].
وقد يكون من الحكم في ذلك: إرادة أن تتواصل الشريعة ولا تندرس فترة معينة، أي أنه كلما توفي رسول كان الذي يليه قد وجد قبل وفاته فيواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه سلفه، كما هو الحال في داود وسليمان مثلاً، أو في زكريا ويحيى وعيسى.....، وقد تكون ثمت حكم أخرى كثيرة لا نعلمها، وفيما ذكرناه كفاية.
والله أعلم.