الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمامة شأنها عظيم، ولا يشرع أن يتقدم لها من ليس أهلًا لها، فقد روى أبو داود، والترمذي، وغيرهما من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين.
جاء في التنوير شرح الجامع الصغير: والمراد بالضمان هنا الحفظ والرعاية، لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم في عهدته، وصحة صلاتهم مقرونة بصحة صلاته، فهو يتكفل لهم بالصحة. اهـ.
وإذا كان أهل المسجد قد رضُوا بك إمامًا عند غياب الإمام الراتب، وانتظم أمر الجماعة على ذلك، فأنت أحق بالإمامة فيه من غيرك ما دمت قارئًا، تحسن الصلاة بالناس، وتعلم فقهها، ولا يحق أن يتقدم عليك غيرك ما دمت حاضرًا.
جاء في "لوامع الدرر في هتك أستار المختصر" وهو من كتب المالكية: الإمام الراتب هو من نصبه السلطان أو نائبه أو الواقف، أو اتفق عليه أهل محلة في مسجد، أو مكان جرت العادة بالجمع فيه، وإن لم يكن مسجدًا، وسواء كان راتبا في جميع الأوقات، أو في بعضها. اهـ.
فبين ذلك لمن يريد التقدم للإمامة بحضرتك، لكن بالحكمة والقول الحسن، مع التنبيه على عظم شأن الإمامة، وبيان الأولى بها، ولا بأس بالاستعانة على ذلك بجماعة المسجد، حتى تتآلف القلوب، وتنقطع الخصومات. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى: 467440.
وأما ارتفاع الأصوات والخصومة في المسجد، فمنهي عنه شرعًا، كما في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام، والنُهى، ثم الذين يلونهم -ثلاثًا- وإياكم وَهَيْشَاتِ الأسواق. رواه مسلم.
وفي المصنف لابن أبي شيبة عن ابن عمر: أن عمر نهى عن اللغط في المسجد وقال: إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات. اهـ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: هيشات الأسواق: هي بفتح الهاء، وإسكان الياء، وبالشين المعجمة، أي: اختلاطها، والمنازعة، والخصومات، وارتفاع الأصوات، واللغط، والفتن التي فيها. اهـ.
وقال في المجموع: تُكْرَهُ الخصومة في المسجد، ورفع الصوت فيه. اهـ.
ونرجو أن لا يكون عليك إثم في ذلك ما دمت لم تقصد ذلك، وغرضك في ذلك الإنكار على من تقدم وليس أهلاً للإمامة.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 97324،0.
والله أعلم.