الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق أن بينا تحريم استعمال السجائر، وبيعها، وحكم المال المستفاد منها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 14345.
وإذا ثبت تحريم استعمال السجائر وبيعها، فإن صناعتها هي الأخرى لا تقل في الإثم عن ذلك لأنها من العون على المعصية، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
وتحرم كذلك الأموال الحاصلة من البنوك الربوية تبعاً لحرمة الربا، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275}.
فإذا علمت هذا.. فاعلم أن العلماء قسموا حائز المال الحرام إلى قسمين، قسم تحرم معاملته بالابتياع منه أو الاقتراض أو قبول هبته أو أي شيء من أنواع المعاملة، وهذا النوع هو من كان جميع أمواله حاصلة من الحرام الصرف، ويلحق بهذا من علمت أنه يعاملك بعين الحرام.
والقسم الثاني هو من كانت أمواله تشمل الحلال والحرام، وهذا قد اختلف فيه أهل العلم بين مجيز لمعاملته إذا غلب الحلال على أمواله، ومحرِّم إذا غلب الحرام، وذهب بعضهم إلى كراهة معاملته كراهة تنزيهية، والصحيح هو الجواز بدون أي كراهة في هذه الحالة- أي حالة اختلاط الحرام بالحلال دون تمايز، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بيعاً وشراء، وقد كان يأكل مما يقدمونه له من هدايا وهم أكلة الربا ولم يكونوا يتوقون من أين وصل إليهم المال، وراجع في هذا الفتوى رقم: 7707.
وإذا ثبت أن المال حرام، فسبيل صرفه هي المصالح العامة كالفقراء والمحتاجين ونحوهم.
وعليه؛ فإذا كان الشخص الممنوح محتاجاً فإن هذه المنحة تباح له على جميع التقديرات، وإن لم يكن محتاجاً إليها ولم تكن من عين الحرام الصرف فالورع الابتعاد عنها.
والله أعلم.