الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت أحاديث مصرحة بأن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه.
واختلف العلماء في تعيين تلك الساعة بسبب اختلاف الروايات الواردة فيها، ففي بعضها أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تُقضى الصلاة، كما في صحيح مسلم عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال لي ابن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله في شأن ساعة الجمعة؟ قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة.
وقد ذكرنا الأقوال الأخرى في الفتوى: 4205.
فعلى قول من يرى أنها من وقت جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، فإن الدعاء والتحري لوقت استجابته، إنما يكون في الوقت الذي يشرع فيه الدعاء، مثل وقت جلوس الإمام قبل الخطبة، أو بين الخطبتين، أو بعد انقضاء الخطبة وقبل الصلاة، ومثل ذلك وقت دعاء الإمام في الخطبة، وأوقات مشروعية الدعاء في الصلاة، ولا يدعو المأموم حال خطبة الإمام؛ لأنه مأمور بالإنصات على سبيل الوجوب عند جمهور أهل العلم؛ كما قدمنا في الفتوى: 46628.
ويدل لوجوب الإنصات والاستماع قوله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ. رواه أحمد وغيره. ولحديث: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة. قال الحافظ: رواه أحمد بإسناد لا بأس به. اهـ.
وكذا الحديث الذي ذكره السائل: من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها. رواه أصحاب السنن وأحمد، وحسنه الترمذي.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له. ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته. ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام. وهذه الأحاديث تفيد الأمر بالإنصات، والاستماع لخطبة الإمام.
قال الشوكاني -رحمه الله-: والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة ... وعلى مشروعية التبكير، والمشي، والدنو من الإمام، والاستماع، وترك اللغو، وأن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل. اهـ.
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: والإنصات للخطبة واجب على من شهدها، سمعها أو لم يسمعها، قاله مالك، وأبو حنيفة، وأكثر الفقهاء... اهـ.
والله أعلم.