الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الوصية للوارث لا تجوز شرعاً، ولا تنفذ إلا إذا أجازها باقي الورثة، لما في الحديث: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية للبيهقي والدارقطني: لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة. وهذه الزيادة حسنها ابن حجر في بلوغ المرام.
وظاهر سؤالك أن الورثة أجازوا وارتضوا وصية الوالد، وبناء عليه فإنه لا حرج في تنفيذ تلك الوصيه، وهذا عن الوصية الأولى، ونعني بها وصية الوالد بأن يعطى المنزل للوالدة.
وأما تنازل الوالدة لأبنائها الذكور عن ذلك المنزل فإنه مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد في العطية، حيث يقول في حديث الصحيحين: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. وفي الحديث الآخر: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحدا لفضلت النساء. رواه سعيد بن منصور في سننه وحسن سنده ابن حجر.
وبناء عليه؛ فإن لها أن ترد عطيتها الجائرة كما رد بشير بن سعد عطيته لولده النعمان كما في حديث الصحيحين؛ بل إن العطية للولد يجوز لأبيه الرجوع فيها، كما يدل له الحديث: لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وبناء عليه؛ فإن الأم إذا قررت الرجوع في عطيتها ليشترك فيها جميع الأولاد رجوعاً منها إلى الصواب والعدل بين الجميع، فإن عليكم أن تطيعوها في ذلك نظراً لوجوب طاعتها، ولإيجاب بعض أهل العلم رجوع الوالد في عطيته الجائرة حتى يعدل بين الأولاد.
ثم إن عليكم من باب المروءة والإحسان إلى الضعفاء والأرحام أن تكونوا أحرص إلى إيصال الحق لأخواتكم إن لم تتنازلوا لهن عن حقكم الخاص بكم، وننصحكم بمراجعة المحاكم الشرعية وفقهاء بلدكم للنظر في ملابسات الموضوع، ولا مانع من أن تطلع تلك الجهات على هذه الفتوى وما معها من إحالات، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28274، 5348، 38399.
والله أعلم.