الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فَفِعْل العمة يحتمل عدة احتمالات، فيحتمل أنه مجرد عارية، فيكون لها الحق في استرجاع المعار.
ويحتمل أنه هبة مقرونة بسبب معين، وهو عدم زواج بنت أخيها، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في المستدرك على مجموع الفتاوى-: وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافق لأصول الشريعة، وهو أن كل من أهدي له شيء، أو وهب له شيء بسبب، يثبت بثبوته، ويزول بزواله. اهـ.
ويحتمل أنه هبة مطلقة، وحينئذ فليس لها الرجوع فيها باتفاق الأئمة؛ لأنها هبة لذات رحم.
قال ابن قدامة في «المغني»: حصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولده، لا رجوع فيه. وكذلك ما وهب الزوج لامرأته. والخلاف فيما عدا هؤلاء، فعندنا لا يرجع إلا الوالد، وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي. اهـ.
وقال ابن مودود الموصلي في «الاختيار لتعليل المختار»: لا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة، أو زوج؛ لأن المقصود صلة الرحم، وزيادة الألفة بين الزوجين، وفي الرجوع قطيعة الرحم والألفة؛ لأنها تورث الوحشة والنفرة فلا يجوز؛ صيانة للرحم عن القطيعة، وإبقاء للزوجية على الألفة والمودة، وفي الحديث: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها". اهـ.
وهذا الذي ذكرناه من حيث الحكم العام، وإذا كان بين أطراف القضية نزاع، فالفصل في قضايا النزاع، مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأمَّا المفتي؛ فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
والله أعلم.