الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب أن معاملة المسلم تختلف عن معاملة الكافر الذمي أو المعاهد، ووجه الاختلاف أن الكافر الذمي أو المعاهد يقر على فعل ما يعتقد حله في دينه وإن كان محرماً في دين الإسلام، بشرط ألا يظهر ذلك بين المسلمين، ومعنى "يقر عليه" أنه لا يمنع منه ولا يعاقب على فعله، وذلك مثل عباداته الباطلة وشربه للخمر وأكله للخنزير ونحو ذلك.
قال البهوتي في كشاف القناع: (لا) يقيم الحد عليهم -أي الإمام - (فيما يعتقدون حله، كشرب خمر ونكاح محرم) وأكل لحم الخنزير لأنهم يعتقدون حله، ولأنهم يقرون على كفرهم، وهو أعظم جرماً، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين لتأذيهم به.
وهذا بخلاف المسلم فإنه لا يقر على فعل هذه المحرمات ويعاقب عليها، وبهذا ينحل عنك الإشكال الوارد في السؤال، فالكافر، إنما جاز أن يؤجر له مسكن يسكنه، مع العلم بأنه لا بد أن يشرك فيه بالله ويشرب فيه الخمر ويأكل فيه الخنزير.. إلخ، لأنه يقر على فعل تلك المحرمات، ولم يجز أن يؤجر له محل ليبيع فيه الخمر أو الخنزير، لأنه إذا كان ممنوعاً من إظهار ذلك بين المسلمين فلأن يمنع من بيعه بينهم أولى وأحرى، وأما تأجير المسكن للمسلم الذي يغلب على الظن أنه يمارس فيه المحرمات، فلا يجوز لأنه لما كان المسلم لا يقر على فعل تلك المحرمات، لم تجز إعانته عليها، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
والله أعلم.