الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث الذي أشرت إليه عن الإمام مسلم صحيح ونصه: عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، شعبة الشاك صلى ركعتين. والحديث رواه أيضا أبو داود في سننه وأحمد في مسنده. واعلم أن من أخذ بمذهب جمهور العلماء لا يعد تاركا للسنة، والحديث الذي أوردته في السؤال ليس نصا في تحديد مسافة القصر، بل شرحه كثير من أهل العلم بأن المقصود فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج في سفر وأدركته الصلاة بعد قطع ثلاثة أميال أو أكثر فإنه يصليها قصرا. وراجع في مذاهب العلماء في مسافة القصر فتوانا رقم: 10813. وقد ورد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسترة، لكن جمهور الفقهاء حملوا هذا الأمر على الندب وقالوا إنه ليس للوجوب، وراجع فيه الفتوى رقم: 49124. واعلم أن الواجب اتباعه هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات. ولكن العالم إذا أراد العمل بحديث فلا بد أولا من معرفة صحته وما إذا كان منسوخا أم لا، وما إذا كانت ثمت نصوص أخرى تقيده أو تخصصه ونحو ذلك. وهذا هو ما قام به الأئمة والعلماء ـ جزاهم الله عنا خيرا. وعليه فليس من الصواب أن يشنع بعض أهل العلم على من يتمسك بأ قوال الأئمة والعلماء، ولا ينبغي أن يعتبر اتباع الأئمة تركا للسنة، لأن الأئمة رحمهم الله هم الذين محصوا هذه السنة وخلصوها مما أراد لها أعداء الإسلام من التزييف والوضع والانحراف. وينبغي كذلك ملاحظة أن العلماء ليسوا معصومين من الخطأ، ومتى اطلع على أن قول أحدهم قد جانب الصواب وثبتت السنة الصحيحة بتخطئته وجب العدول عنه والأخذ بالسنة. وحلق اللحية يعتبر فسقا، ومثله تهذيبها إذا كان إنهاكا لها، وراجع فيه الفتوى رقم: 3851. وراجع في الصلاة خلف الفاسق الفتوى رقم: 1636. واتخاذ المنبه لمن يعلم أنه لا يستيقظ للصلاة واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وراجع فيه الفتوى رقم: 46996. ولا مانع من استفتاء هذا العالم مع عرض أجوبته على أهل العلم، فيؤخذ منها ما كان صوابا ويترك مالم يكن، مع تنبيهه ما أمكن إلى الصواب وتنبيه تلاميذه دون تجريح له.
والله أعلم.