الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلبس الحجاب فريضة من فرائض الله على كل مسلمة، ولا يجوز لها تأخير لبسه بل الواجب عليها ارتداؤه فوراً، وكذلك ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه على الأصح من أقوال أهل العلم، وانظري الفتوى رقم: 4470.
وعليه؛ فنذرك النقاب عندما تحفظين القرآن وتركه قبل ذلك غير صحيح، ولو قدر أنك لم ترتديه فلا كفارة عليك لأن نذر الواجب لا ينعقد عند جماهير أهل العلم، قال الكاساني -رحمه الله وهو من الحنفية- في بدائع الصنائع: فلا يصح النذر بشيء من الفرائض سواء كان فرض عين كالصلوات الخمس وصوم رمضان، أو فرض كفاية كالجهاد وصلاة الجنازة، ولا بشيء من الواجبات سواء كان عينا كالوتر وصدقة الفطر والعمرة والأضحية، أو على سبيل الكفاية كتجهيز الموتى وغسلهم ورد السلام ونحو ذلك، لأن إيجاب الواجب لا يتصور.
وقال الدردير -رحمه الله وهو من المالكية- في الشرح الكبير: (وإنما) (يلزم به) أي بالنذر (ما ندب) أي طلب طلباً غير جازم. انتهى ممزوجا بكلام صاحب المختصر.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري -رحمه الله تعالى وهو من الشافعية- في فتح الوهاب: (و) شرط (في المنذور كونه قربة لم تتعين).
وقال المرداوي -رحمه الله وهو من الحنابلة- في الإنصاف: لا يصح النذر في محال ولا واجب، على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
وأما قولك (ولكن عندما ألبسه اكتشفت أني لم أدخل أي مكان عام فماذا أفعل)، فإننا نقول لك: أعانك الله على ما أنت فيه من البلاء، وكتب الله لك الأجر والثواب، ووفقك للثبات على الحق، وبالنسبة لحالتك فالجواب هو أنك إن استطعت الانتقال إلى بلد آخر وجب عليك فراراً بدينك، وحفاظاً على إيمانك وعفتك وعرضك، وإن لم تتمكني من ذلك، فالأمر فيه تفصيل.
فإن كان ارتداؤك للنقاب سيؤدي إلى ضرر في نفسك أو أعضائك أو عرضك أو عقلك، فعند ذلك يجوز لك كشف ما يدفع عنك ذلك، لأن الضرورات تبيح المحظورات خاصة ما كان منها محل خلاف قوي بين أهل العلم، وليكن ذلك بضوابط، منها: ألا تخرجي من بيتك إلا لضرورة، فإن لم توجد الضرورة وجب القرار في البيت اتقاء للمعصية بترك النقاب، وأن يكون الكشف في حدود ما يدفع عنك ذلك.
وأما إن كان لبسك للحجاب لا يؤدي إلى ضرر كبير، بحيث يمكنك تحمله مع المشقة والاغتمام، ولا يؤثر على حياتك أو عرضك أو أعضائك أو عقلك، فهذا لا يجوز لك معه خلع الحجاب، وعليك في هذه الحال أن تصبري ولك الثواب الجزيل، كما قال تعالى عمن أوذوا في سبيله: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {آل عمران:195}.
والله أعلم.