الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث المذكور رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر. زاد الترمذي: ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت إنما أقول له كن فيكون. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: كما ينقص المخيط التحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة، كما قال تعالى: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ. فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ثم أخرجت لم تنقص من البحر بذلك شيئاً، وكذلك لو فرض أنه شرب منه عصفور فإنه لا ينقص البحر البتة ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل، وهذا لأن البحر لا يزال يمده مياه الدنيا وأنهارها الجارية، فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء، لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه، وهكذا طعام الجنة وما فيها، فإنه كما قال الله تعالى: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ. وقد جاء كلما نزعت ثمرة عاد مكانها مثلها، وروي مثلاها. وقد تبين بما زاده الترمذي السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله من عطاء، فكيف يتصور أن ينقص هذا. انتهى.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق ربكم منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغص ما في يده. ويغص: ينقص، وقوله: لا يغيضها أي: لا ينقصها، يقال: غاص الماء وغاضه الله. ذكره النووي في شرح مسلم.
والله أعلم.