الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الآية المذكورة جاءت في سياق الرد على اليهود والنصارى الذين قالوا للمسلمين: كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ. فأمر الله تعالى عباده المؤمنين -أن يقولوا لهؤلاء اليهود والنصارى الذين يقولون لهم ذلك- بقوله تعالى: قُولُواْ آمَنَّا. أي صدقنا: بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا. وهو القرآن الكريم الذي أنزل إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. أي صدقنا أيضاً بما أنزل إلى إبراهيم، وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ. وهم الأنبياء من ولد يعقوب، وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى. وآمنا أيضاً بالتوراة التي آتاها الله تعالى موسى وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى، وبالكتب التي آتى الله تعالى النبيين كلهم... وأن جميع الأنبياء كانوا على حق يصدق بعضهم بعضًا، وعلى منهاج واحد في الدعوة والتوحيد والعمل بطاعة الله تعالى، لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض كما يفعل اليهود والنصارى، ومثل هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى- في آخر هذه السورة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
وأما قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ... فهو إشارة إلى الأنبياء المذكورين في سورة البقرة، وقيل إشارة إلى جميع الأنبياء، فتكون الألف واللام للاستغراق، والمراد بتفضيل بعضهم على بعض أن الله تعالى جعل لبعضهم من المزايا والكمال فوق ما جعله للآخر، فكان الأكثر مزايا فاضلاً والآخر مفضولاً، مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ. ومن كلمه الله تعالى: هو موسى، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآدم -عليه السلام-، ورفع بعضهم درجات بالكرامة ورفعة المنزلة، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء ومن رآهم من الأنبياء تلك الليلة في السماوات العلا، بحسب تفاوت منازلهم عند الله -عزَّ وجلَّ-، ومثل هذا قول الله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. انتهى ملخصاً من كتب التفسير.
والله أعلم.