الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فواجب الإنسان أن يصاحب والديه بالمعروف ولو كانا مشركين، أو أرادا منه أن يشرك بالله، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً {لقمان: 14ـ15}. وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الاسراء:23 ـ 24}. وعليه فإن هذا الشخص قد أخطأ خطأ كبيرا في تركه والدته، فإن حقها في البر والإحسان لا يسقطه ما ترتكبه من المعاصي، ولا أنها أدخلتك في الحرام، مع أننا لم نفهم معنى أدخلته في الحرام، لكن حقها يبقى ـ على كل حال ـ فوق كل الاعتبارات. ومن بر الأم النصح لها والسعي في هدايتها والدعاء لها بالاستقامة ونحو ذلك، وكما يجب بر الأم وطاعتها في المعروف يجب كذلك بر الأب وطاعته، إلا أن طاعته في المعصية لا تجوز، ففي الحديث الشريف: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف. ومن المعصية أن يأمر الأب الابن بقطيعة الأم، ولا تجوز طاعته في ذلك. وكون الأم تركت ابنها منذ الصغر لا يبرر تركه لها، لأنها حملته في بطنها تسعة أشهر، وأرضعته حولين كاملين، وكانت تحرسه آنذاك وتدفع عنه الأذى وتسهر لمرضه وتألمه، مع أن برها لو لم يكن له من المبررات سوى أن الله أمر به، لكان كافيا، لأن مخالفة أمر الله يستحق بها من العذاب ما تهون في مقابله كل الأمور. وعقوبة من لم يرجع إلى إمه هي عقوبة من عصى الله، والله وحده هو الذي يعرف كيف سيعاقب الذين عصوه من خلقه. وإذا لم يستطع الرجوع إليها لأن قلبه مجروح فليقارن بين جرح القلب في وقت قصير، وبين اصطلاء الجسد كله بنار جهنم أحقابا عديدة. والله أعلم.