الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فآية الدين ليست منسوخة، ولم نذكر ذلك في فتاوانا، وإنما بينا في فتاوى كثيرة أن الأمر فيها هو للاستحباب وليس للوجوب، وراجع في هذا الفتاوى رقم: 14532، ورقم: 18198، ورقم: 41575.
وكون الأمر فيها للاستحباب هو الذي عليه جميع فقهاء الأمصار، وجمهور الأمة، وقال البعض إنه للوجوب، وتفصيل ذلك مبين في بعض الفتاوى التي أحلناك عليها، ولا تعارض بين كون الأمر في الآية الكريمة للاستحباب وبين الحديث الذي ذكرته، فالحديث إنما بين أن الثلاثة الذين ذكروا لا يستجاب لهم إذا دعوا على الثلاثة الذين ذكروا معهم.
قال صاحب فيض القدير في ذي المرأة السيئة الخلق: فإذا دعا عليها لا يستجيب له، لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها وهو في سعة من فراقها. وقال في صاحب الدين إذا أنكره ودعا عليه: لا يستجاب له، لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ.
وقال في الذي عامل السفيه بشيء من ماله: فإذا دعا عليه لا يستجاب له لأنه المضيع لماله، فلا عذر له، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ.
وكون هؤلاء الثلاثة لا يستجاب لهم فيمن ذكروا معهم لا يدل على أنهم آثمون، وإنما يدل على أنه كان من مصلحتهم أن لا يُحَملوا أنفسهم ما حملوها، فهو إذا يؤكد كون الأمر في الآية للاستحباب.
والله أعلم.