الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أبا سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه صحابي جليل من فضلاء الصحابة الكرام الذين نتعبد لله تعالى بحبهم وموالاتهم، ولا يجوز لنا أن نبغضهم أو نعاديهم فضلاً عن أن نسبهم، وقد أسلم أبو سفيان رضي الله عنه في أول الأمر خائفاً ثم حسن إسلامه وقوي إيمانه وثبتت قدمه في دين الله. قال الذهبي رحمه الله في سير الأعلام والنبلاء: وله هنات وأمور صعبة لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف ثم بعد أيام صلح إسلامه. انتهى، وقال أيضاً رحمه الله: ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إيمانه ولله الحمد. انتهى
ويعني بحديثه عن هرقل ما أخرجه البخاري في صحيحه في بدء الوحي في قصته مع هرقل، وفي الحديث أن أبا سفيان قال: فما زلت موقناً أنه صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. ومما يدل على حسن إسلامه أن عينيه قلعتا في سبيل الله إحداهما في قتال الطائف، وفي ذلك يقول الحافظ بن حجر في الإصابة: وروى الزبير من طريق سعيد بن عبيد الثقفي قال: رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله قال: إن شئت دعوت فردت عليك وإن شئت فالجنة، قال: الجنة.
وأما عينه الثانية فقلعت يوم اليرموك قال الذهبي في السير: ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك وكان يومئذ قد حسن إن شاء الله إيمانه، فإنه يومئذ كان يحرض على الجهاد وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح يا نصر الله اقترب. انتهى
وأما مقولته يوم حنين التي أشرت إليها ونصها: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. فهذه كانت في أول إسلامه وقد علمت أن إسلامه قد حسن بعد ذلك، واعلم أنه رضي الله عنه حتى لو أسلم مجبراً خائفاً على نفسه من القتل فلا يضره ذلك ما دام قد حسن إسلامه وجاهد في سبيل الله، بل كما علمت فقدْ فقدَ حبيبتيه في سبيل الله، فدع عنك الشكوك والوساوس وأحبه، واعلم أنك بحبه تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.