الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإذا كان الجرح الذي حصل في الأعضاء قد فعله الفاعل عمدا. وأمكن القصاص من صاحبه، ولم يخش في ذلك هلاك، فالواجب هو القصاص، لقول الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ {المائدة: 45}. وعليهم أن ينتظروا بالقصاص برء المجني عليه حتى يعلم قدر الجناية ويقتص من الجاني بقدرها، ويدل لذلك ما في الحديث: أن رجلا طعن بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني، فقال: حتى تبرأ ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده ثم جاء إليه فقال: يارسول الله عرجت، فقال: قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه. رواه أحمد والدارقطني وصححه الألباني في الإرواء. وليس في الجناية حينئذ أرش إلا أن يصطلح الجاني والمجني عليه على شيء، فلهما ذلك، ولا يشترط مساواة المصطلح عليه لما يلزم في الجرح لو كان خطأ ـ قال خليل: وجاز صلحه في عمد بأ قل أو أكثر. وإن كان الجرح خطأ ولم يبلغ درجة الجائفة فإنما تلزم فيه حكومة، أي اجتهاد أهل المعرفة بحسب مساحته ودرجته من الخطورة، قال في الأم: وكل جرح عدا الوجه والرأس فإنما فيه حكومة إلا الجائفة فقط. وهذه الحكومة يمكن أن تزيد على أرش الجائفة أو تنقص، ولكن لا يحسب باعتبار أنه جائفة لأن ذلك ليس من فعل الجاني.