الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يجوز الاستعانة بالجن في الأمور المحرمة كالسحر والشعوذة والكهانة وإلحاق الأذى بالناس ظلماً وعدواناً، كما لا تجوز الاستعانة بهم مطلقاً إذا كان ذلك في مقابل تخلي المرء عن شيء من أوامر الشرع أو ارتكابه لشيء من مناهيه كصرف العبادة لهم والاستعانة بهم ونحو ذلك، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم.
أما الاستعانة بهم في تحصيل المنافع المباحة مع السلامة من شرهم وضررهم وشركهم، فجواز هذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنع ذلك بعضهم باعتبار أن السلامة من ضررهم وتأثيرهم على المستعين بهم في عقيدته وأمور دينه متعذرة، ولأن الاستعانة بهم قد تكون ذريعة للشرك فوجب سدها.
قال ابن مفلح: قال أحمد في الرجل يزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم ومنهم من يخدمه: ما أحب لأحد أن يفعله تركه أحب إليّ. انتهى. (الآداب الشرعية).
وسئل العلامة محمد بن إبراهيم عن الاستعانة بالجن فقال: إنه طلب من الجن فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأموات وفيه رائحة من روائح الشرك. اهـ
قال الشيخ ابن باز: وأما اللجوء إلى الجن فلا، لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم، لأن في الجن من هو كافر ومن هو مسلم ومن هو مبتدع ولا تعرف أحوالهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم ولا يسألون، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا. ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، فأرى أنه لا يجوز لأن في ذلك استخداما لهم، وقد لا يخدمون إلا بتقرب إليهم واستضعاف لهم. اهـ
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز استعمال الجن في الأمور المباحة، فقال رحمه الله: ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك، وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله، فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى.
وقال رحمه الله: ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم، أو في العدوان عليه بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم، وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة كجلب من يطلب الفاحشة، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص. انتهى الفتاوى بتصرف.
ولكننا نقول للسائل: التعامل مع الجن يقضي في الغالب إلى أمور محرمة قد تصل بصاحبها إلى الشرك والعياذ بالله، ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 7369.
أما التداوي بالقرآن بكتابة شيء منه ومحوه بالماء ثم شربه أو رشه أو الاغتسال به، فيجوز لعموم قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء {فصلت:44}، فالقرآن شفاء للقلوب والأبدان، قال ابن القيم: ورأي جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها. انتهى، وهو مذهب ابن عباس وأجازه ابن تيمية في الفتاوى وقال: نص عليه أحمد وغيره. انتهى، للفائدة راجع الفتوى رقم: 7852.
وأما تعليق التمائم من القرآن على الكتف أو أي عضو من أعضاء الجسم فمحل خلاف والصحيح أنه لا يجوز، راجع الفتوى رقم: 6029.
والله أعلم.