الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في حكم وجوب التسوية بين الأولاد في الهبة فمذهب الجمهور أن ذلك مستحب وليس بواجب، وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب مستدلين بحديث النعمان بن بشير المتفق عليه وفيه: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم: 5348، والفتوى رقم: 6242.
وبناء على رأي الجمهور فإن ما فعله أبوكم من تفضيل أخيكم عليكم في الهبة ليس فيه ذنب، وعلى الثاني يكون معصية إذا لم يوجد موجب شرعي يستدعي إيثاره بذلك دونكم، ولا يملك الولد الهبة إلا إذا كان قد قبضها قبل موت الوالد.
وعلى كلا الأمرين فليس هذا مبرراً لعقوق هذا الأب، وذلك لأن بره واجب عليكم على كل حال، وكونه قصر في حقكم لا يبيح ذلك لكم أن تقصروا في حقه وذلك للنصوص الدالة على تأكيد حق الآباء منها، قوله سبحانه: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، ويتأكد هذا الحق أكثر إذا كان الأب في حاجة إلى الرعاية مثل حالة أبيكم، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
ومن مظاهر العقوق القبيحة إهمال هذه البنت الرد على أبيها عندما سمعته ينادي وتركته يتخبط حتى وقع ولا شك في كون هذه البنت آثمة من وجهين، الأول عقوقها لأبيها في عدم استجابتها له، الثاني تركها له على حالة لا يأمن فيها من الوقوع من الدور الرابع لكونه أعمى، ومن المعلوم أن المسلم يجب عليه إنقاذ أخيه المسلم إذا وجده على حافة الهلاك كأعمى على شفير يمكن أن يتردى منه أو يقع في البحر أو النار ونحو ذلك.
بل إن بعض أهل العلم قال بأن من أمكنه تخليص إنسان من مهلكة سيقع فيها ولم يخلصه حتى مات أنه يقتص له منه، فهو إذا بمثابة القتل العمد، وعلى العموم فالواجب على هذه البنت وإخوانها الذين حصل منهم تقصير اتجاه هذا الأب التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة ثم الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
والله أعلم.