الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد اختلف أهل العلم في تحديد الرحم التي تجب صلتها ويحرم قطعها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما. وقيل: هو عام في كل ذي رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي المحرم وغيره، وعليه فلا يدخل غير الورثة، وقيل غير ذلك. وقيل الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين والخاصة : رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه. قال الإمام القرطبي في تفسيره : الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة، وترك مضادتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من: غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم. وأما الرحم الخاصة فهي: رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة، وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. انتهى كلامه رحمه الله. وعلى هذا فنقول: إن كل مسلم تجمعك به الرحم العامة، وهي أخوة الدين التي قال فيها سبحانه: إنما المؤمنون إخوة {الحجرات: 10} فلهم حقوق بعضها واجب، وبعضها مستحب فإذا وجد نوع قرابة بينك وبين هذا المسلم تأكد حقه عليك، وإن لم يكن من الأرحام بالمعنى الخاص، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون مصر، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما. رواه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم قد ملك جارية من مصر هي (مارية القبطية) ودخل بها، وأنجبت له ولده إبراهيم، فأوصى بالإحسان إلى أهل مصر، وقال بأن لهم رحما لمجرد تلك الوشيجة بينه وبينهم. والمحارم من الرضاعة من هذا الباب تتأكد حقوقهم، ويقدمون على غيرهم، ويخصون بنوع إكرام وإحسان، وإن لم تجب لهم الحقوق الواجبة للرحم بالمعنى الخاص، وهم قرابات الرجل من طرفيه: أبيه وأمه، وما اتصل بهما. ويدل على هذا ما رواه أهل السير كابن هشام في السيرة النبوية، وابن القيم في زاد المعاد أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد هوازن كان من جملة من قدم أخته من الرضاعة الشيماء وهي بنت حليمة السعدية، ففرش لها النبي صلى الله عليه وسلم رداءه إكراما لها، وكان من جملة من قدم أيضا عمه من الرضاعة، وسأله أن يعطيه وقومه ما كان قد سبي منهم من النساء والذرية، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وشفع إلى الناس أن يردوا إليهم ما سبي منهم.