مرجع الضمير في قوله تعالى (فأنساه الشيطان ذكر ربه)

10-11-2004 | إسلام ويب

السؤال:
هل ما فهمته من هذه الآية صحيح: فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين، الفاء في كلمة فلبث هي فاء السبب، يعني سبب مكوث يوسف -عليه السلام- في السجن هو من كيد الشيطان الذي يعلم أن خروج يوسف من السجن سيكون فيه إصلاح للأمة، وبما أنه نبي الله، سيعم العدل ويقل الفساد، وهذا لا يرضي الشيطان؟
وأما قول من قال بأن لبث يوسف -عليه السلام- في السجن هو عقاب من الله، لأن يوسف -عليه السلام- طلب الإغاثة من الناجي، وفعله ينافي تمام التوحيد، فهذا لا يصح، والدليل في الكتاب والسنة، فالله علام الغيوب، وصف نبيه في الآية 24 من سوره يوسف بأنه من عبادنا المخلصين. فهل يعقل أن يصف ربُّ العزة علام الغيوب نبيه بهذا الوصف إن كان سيرتكب خطأً ينافي تمام التوحيد، وهذا مستحيل.
وفي الآية: وتعاونوا على البر والتقوى، وخروج نبي الله من السجن فيه منفعة للناس وتقوى، والأحاديث كثيرة تدل على مشروعية الاستغاثة بالأحياء، وهذا بدون شك ما يسمى الأخذ بالأسباب، الرجاء دكتور أن تعلقوا على ما قلته، لا أن تمدوني بأقوال سلفنا الصالح، لأني قد سبق وسألتكم عن هذا السؤال، وأجبتموني، وأود أن تقولوا لي هل ما كتبته صحيح أم لا؟
جزآكم الله خيراً.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف المفسرون في الضمير في كلمة (فأنساه) هل هو عائد على يوسف أم على الناجي من رفيقيه في السجن، وهو: ساقي الخمر، والذي رجحه ابن كثير، وجمع من العلماء هو أن الضمير عائد على الساقي لا على يوسف -عليه السلام-، وعلل ذلك النسيان بحرص الشيطان على عدم خروج يوسف من السجن، وعدم خروج يوسف من السجن يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة، ومن هذه المصالح ما ذكرت أنت في السؤال، وإن كان لبث يوسف في السجن فيه مصالح أيضاً، إذ في السجن تربية للنفس على الخلوة، واعتماد القلب على الله -تعالى- لمن وفق إلى اغتنام المحن، واعتبارها لوناً من المنح، وفي تأخر خروج يوسف من السجن منفعة عظيمة حصلت له فيما بعد، ألا وهي ظهور فضيلته بالعلم، وتبوؤه المكانة العالية به، إذ لو خرج بشفاعة الساقي، لما حصل له ذلك، قال الحافظ الحكمي:

كذاك يوسف لم تظهر فضيلته   * للعالمين بغير العلم والحِكَمِ

فكان مكث يوسف في السجن بسبب إنساء الشيطان للساقي، لحكمة يعلمها الله تعالى، وحكمة الله تعالى في أقداره لا تتنافى مع الألم الحاصل معها أحياناً، فإن الله -تعالى- يربي عباده بالأقدار مع ما فيها من الآلام، فهو سبحانه رب العالمين.

قال ابن كثير رحمه الله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يَقُولُ: ‌اذْكُرْ ‌قِصَّتِي ‌عِنْدَ ‌رَبِّكَ -وَهُوَ الْمَلِكُ- فَنَسِيَ ذَلِكَ الموصَى أَنْ يُذَكِّر مَوْلَاهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، لِئَلَّا يَطْلَعَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنَ السِّجْنِ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} عَائِدٌ عَلَى النَّاجِي. اهـ.

وهذا الكيد من الشيطان شر في نظره، لأنه لا يعلم مآلات الأمور، والله وحده هو العالم بذلك: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65}، وقال تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {النساء:76}.

فكان كيده ليوسف كي لا يخرج، وقدر الله تعالى ليوسف ألا يخرج لحكمة أرادها ولا راد لقضاء الله، وراجع الفتوى: 53995.

والله أعلم.

www.islamweb.net