الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في المدينة، وقد سئل عبد الله بن عباس عن ذلك فقال: أراد ألا يحرج أمته. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب جمهورهم إلى عدم جواز الجمع لمجرد الحاجة كدرس ونحوه لأن أخبار المواقيت ثابتة عن الشارع، ولا تجوز مخالفتها إلا بدليل خاص.
وتوسع الحنابلة في الأعذار المبيحة للجمع فجعلوها كل عذر أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة، كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله أو تضرر في معيشة يحتاجها، وذهب أشهب من المالكية، وابن المنذر من الشافعية، وابن سيرين وابن شبرمة إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذه عادة، لحديث ابن عباس المذكور الذي رواه مسلم قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس ماذا أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
والراجح أن هذا المذهب يؤخذ به إذا اضطر إلى ذلك كأن يكون طبيباً يجري عملية لمريض، وجاء وقت الصلاة في أثنائها ولا يمكن ترك ذلك، فيؤخر الصلاة، أو يقدمها بحسب الحال، وأما الحنفية فلا يجيزون الجمع لسفر ولا مرض، ولا لغيرها من الأعذار الأخرى، ولا شك أن مذهبهم في هذا مردود لمخالفته للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تلقتها جماهير الأمة بالقبول.
وننبهك إلى أن الوسواس ليس بعذر ولا حاجة تبيح الجمع لا تقديما ولا تأخيراً بل هو مرض وقد بينا سببه وعلاجه في الفتوى رقم: 51601 فراجعها بتدبر نفعك الله بها.
والله أعلم.