الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن حق هذه الزوجة التي غاب عنها زوجها ولم يترك لها نفقة المطالبة بنفقة المدة الماضية، فإن استجاب الزوج وإلا رفعت أمرها للقضاء ليلزمه بدفع حقها، ولا ينبغي للزوج أن يغيب عن زوجته مدة كبيرة تتضرر بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله. رواه البخاري وغيره.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على والعبادة. انتهى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وفي هذا الحديث دليل على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة وكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز، وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يمونهم ويقوتهم مخافة ما يحدثه الله بعده فيهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. انتهى.
ولا شك أن للمرأة حقا على زوجها غير النفقة، ولذا نص أهل العلم على أن الرجل ليس له أن يغيب عن زوجته أكثر من ستة أشهر لغير عذر، قال عبد الرحمن بن محمد المقدسي الحنبلي صاحب الشرح الكبير: فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن له عذر. وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء، وإن طال سفره ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة، وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد رحمه الله ذهب إلى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر، يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار إلى تقديره بهذا لحديث عمر.... وسئل أحمد كم للرجل يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له. انتهى.
والخلاصة: أن غيبة الزوج ولو طالت لا تزيل أحكام الزوجية وما يترتب عليها من الحقوق لكل من الزوجين على الآخر ولا يصح أن تبرر المرأة بغيبة زوجها عنها مدة طويلة منعه من حقوقه إذا حضر من استمتاع ونحوه.
والله أعلم.