الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالآيات التي أشارت إليها السائلة الكريمة من سورة النور هي الآيات المعروفة عند أهل العلم بآيات اللعان.
واللعان معناه في اللغة الإبعاد والطرد، فإذا تلاعن الزوجان ابتعد كل واحد منهما عن الآخر وتأبد التحريم بينهما، هذا بالإضافة إلى ما يلحق كل واحد منهما عند دعائه على نفسه بالطرد من رحمة الله إن كان كاذبا وكان الطرف الآخر صادقا
ومعناه شرعا قسم الزوج المسلم المكلف على زنا زوجته أو نفي حملها منه، وقسمها أيضا على تكذيبه، كما جاء في الآيات الكريمة.
وحكمه أنه رخصة واجبة لنفي الحمل، جائزة لرؤية الزنا، والستر أولى، واختصاص الزوجة بذلك دون الزوج سببه هو ما قد يترتب على زناها من إلحاق ولد بالزوج ليس منه، بخلاف الزوج إذا زنا ونشأ عن زناه حمل، فلا علاقة لها هي بهذا الحمل.
ولا يعني ذلك أن المرأة تترك زوجها إذا رأته يرتكب الفاحشة، بل يجب عليها أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر.
وإذا رفعت أمره إلى ولي الأمر فعليها البينة وهي أربعة شهداء، وإلا، فعليها حد القذف.
وعلى المسلم أن يسلم بحكم الله تعالى، سواء فهم الحكمة من ورائه أو لم يفهمها مع الاعتقاد التام والجزم القاطع بأن الله تعالى لم يشرع حكما لعباده إلا لمصلحتهم، وأن من وراء ذلك حكما بليغة علمها من علمها وجهلها من جهلها.
ولا يكون المسلم مسلما بمعنى الكلمة إلا إذا سلم بهذه الحقيقة، فالإسلام معناه الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وقد قال تعالى في محكم كتابه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}. وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور: 51}.
فلا ينبغي لك أختنا الكريمة أن تتركي الشيطان يلعب بقلبك ويلقي فيه الأفكار السيئة التي ربما تجر المسلم إلى الاعتراض على حكم الله تعالى والتشكيك فيه، وقد انجر بعض الضعفة من أبناء المسلمين إلى الطعن في أحكام الله تعالى بسبب ما يلقيه شياطين الإنس من التشكيك والاتهام عبر وسائل الإعلام ومناهج التدريس، ولكن القرآن الكريم والشرع الإسلامي سيظل جبلا شامخا تتحطم عليه مكائدهم ووساوس شياطينهم.
وأما الآية الأخرى التي أشرت إليها فهي قول الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا {النساء: 15}.
وهذه الآية كانت في بداية الإسلام قبل نزول سورة النور في الجلد والرجم، فنسخ حكمها وبقيت تلاوتها واستقر الحكم بالجلد مائة حتى البكر والرجم على الموت على الثيب.
وعقوبة الزنا كانت بالتدريج كما هي سنة الله تعالى في التشريع وفي الكون كله، فكانت عقوبته في أول الأمر بالتوبيخ والتعنيف والإيذاء.. كما قال سبحانه وتعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا {النساء: 16}. ثم تدرج الحكم إلى الحبس في البيوت فقال تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ الآية.
ثم نزل الحكم بالرجم والجلد وعليهما استقر الحكم الشرعي.
وبخصوص الإرشاد إلى تفسير فإننا لا ننصحك بالاقتصار على تفسير واحد معين، لأن بعض التفاسير يوجد فيها ما لا يوجد في غيرها، ولهذا ينبغي أن تنوعي المطالعة في أكبر قدر ممكن من التفاسير وخاصة تفسير ابن كثير، وتفسير القرطبي، وابن عطية، وتفسير ابن عاشور من المتأخرين.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك حسن اليقين وزيادة الإيمان وطمأنينة القلب.
والله أعلم.