الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك على هذا الحرص على تمحيص الأحكام والتدقيق فيها بغية الخروج بالصواب، وفيما سألت عنه نقول لك: إن كون دية المرأة على النصف من دية الرجل أمر مجمع عليه، وقد نقل هذا الإجماع جم كبير من أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل.
وقال الشافعي في الأم: لم أعلم مخالفاً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً في أن دية المرأة نصف دية الرجل وذلك خمسون من الإبل...
وفي الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أن دية الأنثى الحرة المسلمة هي نصف دية الذكر الحر المسلم، هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل.
وإذ ثبت هذا الإجماع فهو كاف لإثبات الحكم، لأن الإجماع هو الأصل الثالث للتشريع، وقد ثبتت حجية الإجماع بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {النساء:115}.
وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة.
وفي حديث رواه الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة.
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم. وورد في هذا الموضوع آثار كثيرة.
ورغم أن طائفة من أهل العلم تكلموا في سند بعض هذه الأدلة أو مدى دلالتها على حجية الإجماع، فإن دية المرأة وكونها على النصف من دية الرجل له من الأدلة النقلية والعقلية ما يجعل إعادة النظر فيه أقرب إلى الترف الفكري منها إلى البحث عن الصواب، وعلى المسلم أن يسعه ما وسع صدر الأمة والقرون المزكاة وإجماع أهل العلم، وإن لم يكن الصواب في ذلك فلا صواب يُرجى.
والله أعلم.