الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الآيات المذكورة جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن قصة مريم -عليها السلام- من سورة مريم، وفي بداية السياق يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابا..ً {مريم:16ـ17}.
قال أهل التفسير: اتخذت من دونهم حجابا، أي جعلت بينها وبينهم سترا لتغتسل أو لتمتشط... فأرسل الله تعالى إليها الملك جبريل -عليه السلام- في صورة بشر إنسان، فلما رأته بادرته قبل أن يكلمها بقولها -إنكارًا عليه مجيئه لها في ذلك المكان، وموعظة له، وتخويفًا له من الله تعالى: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً {مريم:18}. أي إني أعوذ بالله تعالى منك، وأستجير به منك أن تنال مني ما حرم الله تعالى.. إن كنت تتقي الله تعالى وتخافه في استعاذتي به، واستجارتي به منك، لأنها تظن أنه رجل من بني آدم- فإن كنت تتقي الله تعالى فستنتهي. اهـ.
قال صاحب التحرير والتنوير: ومجيء التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد به التهييج لخشيته وتقواه.. اهـ.
وهذا أبلغ في الوعظ والتذكير والحث على العمل بالتقوى. ومثل هذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي كلام الناس. يقول الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {الأنفال: 1}. ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر...
وأما ذكرها لصفة الرحمن دون غيرها من صفاته -سبحانه وتعالى-؛ فذلك لأنها أرادت أن يرحمها بدفع من تخشاه وتحسب أنه يريد بها الشر، فناسب دفعه عنها الرحمة بها.
والله أعلم.