الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون فيمن قال ذلك: قال القرطبي: اختلف فيمن قاله، فقيل: هو من قول امرأة العزيز، وهو متصل بقولها: (الآن حصحص الحق) أي: أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه، ولم أذكره بسوء وهو غائب، بل صدقت وحدت عن الخيانة، ثم قالت: (إن ربي غفور رحيم).
وقيل: هو من قول يوسف، أي قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته، من ردّ الرسول (ليعلم) العزيز (أني لم أخنه بالغيب) قال الحسن وقتادة وغيرهما. ومعنى "الغيب" وهو غائب.. إلخ انظر تفسير القرطبي (9/137).
وقد اختلف المفسرون في الراجح من القولين: وقد رجح ابن كثير في تفسيره أن ذلك الكلام كان من امرأة العزيز فقال: عند قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) تقول: إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين* وما أبرئ نفسي) تقول المرأة: ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته، لأن (النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) أي: إلا من عصمه الله تعالى: (إن ربي غفور رحيم)، وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.
وقد حكاه الماوردي في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فأفرده بتصنيف على حدة، وقد قيل: إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول: (ذلك ليعلم أني لم أخنه) في زوجته: (بالغيب) الآيتين، أي: إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي، وليعلم العزيز (أني لم أخنه) في زوجته (بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) الآية، وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.. والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف -عليه السلام- عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك. انتهى انظر: تفسير ابن كثير (2/625).
وبناءً على ما تقدم، فكلا القولين محتمل وله حظ من النظر، وكونه من كلام امرأة العزيز أشبه لكونه في سياق كلامها.
والله أعلم.