الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
1- فما تفعلونه من الاجتماع وتلاوة القرآن على وجه التعزية للمسافر لأجل الحج من البدع المحدثات التي لا دليل عليها من الشرع، وإنما المشروع هو توديع المسافر كما كان يودع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسافرين، فيقول له ما ورد في السنة، ومن ذلك ما رواه الترمذي عن سالم: أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. وصححه الألباني.
وعن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً فزودني، قال: زودك الله التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت. رواه الترمذي وقال حسن غريب، وصححه الألباني.
2- فمذهب المالكية هو عدم جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر، وإنما أجازوا الجمع في ست أحوال ذكرها علماء المذهب، قال في الشرح الكبير: ولجمعها ستة أسباب: السفر والمطر والوحل مع الظلمة والمرض وعرفة ومزدلفة. انتهى.
وذهب أشهب من المالكية -على خلاف المعتمد عندهم- إلى جواز الجمع في الحضر عملاً بظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. رواه البخاري، وزاد مسلم: من غير خوف ولا سفر. وفي رواية: من غير خوف ولا مطر.
قال الباجي في شرح الموطأ -وهو مالكي-: وقد تعلق أشهب بظاهر اللفظ وقال: إن للمقيم رخصة في الجمع بين الصلاتين لغير عذر مطر ولا مرض، وهو قول محمد بن سيرين. انتهى، ووافق أشهب على ذلك ابن المنذر من الشافعية وابن شبرمة، وسواء في ذلك جمع التقديم أو التأخير.
أما الجمع الذي أباحهُ المذهب المالكي في الحضر، فهو الجمع الصوري وذلك بتأخير صلاة الظهر إلى آخر وقتها وتقديم العصر في أول وقتها، وكذلك المغرب مع العشاء، قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل: وللصحيح المقيم أن يجمع بين الظهر والعصر جمعاً صورياً. انتهى.
وبناء على هذا فلا يجوز ترك صلاة في الحضر حتى يخرج وقتها بنية الجمع، وذلك على الراجح وهو قول الجمهور.
أما قول أشهب ومن وافقه فإننا نرى جواز العمل به عند الضرورة أو الحاجة، والأولى لمن احتاج إلى الجمع في الحضر أن يجمع جمعاً صورياً على ما سبق بيانه خروجاً من الخلاف وعملاً بالأحوط، شرط ألا يكون ذلك هو عادته الدائمة، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 6846.
والله أعلم.