الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الدنيا دار بلاء، وهي سجن المؤمن، وقد ابتلي الصالحون وعلى رأسهم سيد ولد آدم نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن ما ابتليت به من الحرمان والتضييق لا يقارن بما ابتلي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمضي عليه الشهر والشهران ولم يوقد في بيته نار لإنضاج الطعام، فكان قوته التمر والماء فقط، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، ثم هو مع ذلك كان راضيا من ربه حامدا له على نعمه الجزيلة.
وكذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا شديدي الفقر، وأكلوا من الجوع ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم، ولما مات مصعب بن عمير لم يجدوا ما يكفنوه به إلا بردة، لو غطوا بها رأسه بدت قدماه، ولو غطوا قدميه بدت رأسه!!
وهكذا أئمة الدين ممن جاء بعدهم، كالإمام أحمد والإمام النووي وغيرهما كانوا فقراء، لكنهم مع فقرهم لم ينسوا الله ولم يحجدوا نعمه، فإن كان منعهم نعمة المال فقد أعطاهم نعمة العقل، بينما أصيب غيرهم بالجنون، وأعطاهم نعمة البصر، بينما أصيب غيرهم بالعمى، ويتحركون بسهولة ويقومون بجميع شؤونهم، بينما أقعد غيرهم الشلل، وتأمل الفتوى رقم: 51946.
ثم إنهم كانوا يعلمون أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن ما عند الله خير للأبرار، وأن غمسة واحدة يغمسها العبد الصالح في الجنة تنسيه كل شقاء مر به في هذه الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم. فتب إلى الله واصبر على قضائه وقدره وارض عنه، واعلم أن ما أنت فيه من الهموم والبلاء إنما هو ثمرة الإعراض عن الله. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124}.
فتلفظ بالشهادتين وأد ما افترضه الله عليك وأعظمه الصلاة، وانته عما حرم الله عليك من قبل أن يفجأك الموت، وعندئذ لا ينفع الندم.
وانظر عقوبة تارك الصلاة الدنيوية والأخروية في الفتوى رقم: 6061.
والله أعلم.