الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشفاعة يوم القيامة من أعظم الرحمات التي يمن الله بها على عباده، وأعظم الشفاعات التي تجري في ذلك اليوم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للخلاص من هول الموقف وتعجيل الحساب للفصل بين العباد، وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك شفاعات أخرى، منها الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب، ومنها الشفاعة في رفع درجات أهل الجنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا أول شفيع في الجنة. رواه مسلم.
ومنها الشفاعة في عصاة الموحدين، فمنهم قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن شاء الله تعالى فلا يدخلوها، ومنهم من دخلوها بذنوبهم فيخرجون منها بالشفاعة، وقد ثبت في صحيح البخاري أن المؤمنين الذين اجتازوا الصراط يقفون يجادلون في إخوانهم الذين دخلوا النار فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون ويعملون معنا فيقول لهم: أخرجوا من عرفتم، فيخرجون خلقاً كثيراً، منهم من قد أخذته النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد مما أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحد، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط...
أي مع إتيانهم بأصل التوحيد وأركانه، وللمزيد راجع الفتويين: 22872، 34463.
قال الحافظ في الفتح: وأما الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من يسبق إلى الجنة وهم الذن يدخلونها بغير حساب ثم الذين يلونهم وهو من يدخلها بغير عذاب بعد أن يحاسب ويستحق العذاب ثم من يصيبه لفح من النار. اهـ
قال في تسير العزيز الحميد: واعلم أن شفاعته في القيامة ستة أنواع كما ذكره ابن القيم، الأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم السلام حتى ننتهي إليه، فيقول أنا لها وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم من مقامهم في الموقف.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها.
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار فيشفع لهم أن لا يدخلوها.
الرابع: شفاعته لأهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنبوبهم.
الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفع درجاتهم.
السادس: شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده. اهـ باختصار.
والله أعلم.