الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاعتداء والمكافأة بالمثل في قول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}، وقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126}، لهما ضابط، وهو أن ما كان محرما في ذاته كالسحر والزنا واللواط والخمر والجور في الحكم، والخيانة في الأهل ونحوها لا يحل الاقتصاص فيه بالمثل، فلا يجوز لمن سحره شخص أن يعمل هو سحراً لذلك الشخص، ولا لمن زنى بامرأة أو لاط برجل أن يفعل به المثل، ولا لمن أكره غيره على شرب الخمر أن يكرهه هو على الشرب، ولا لمن خان شخصا في أهله أو جار عليه في الحكم أن يخون هو ذلك الشخص أو يجور عليه في الحكم، وهكذا... وذلك لأن المكافأة بالمثل في هذه الحالات تعتبر اعتداء على حقوق الله وحدوده، وإنما يكتفى فيها بإقامة الحد بالنسبة للمسائل التي فيها حد، وبالتعزير ونحوه فيما لا حد فيه، وذلك يقوم مقابل المكافأة بالمثل.
ثم إنه لا تعارض بين إباحة القصاص وبين استحباب العفو عن الناس والصفح، فالله تعالى قد أباح للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه، ولكنه إذا عفا كان ذلك أفضل له وأكثر أجراً، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:40-41-42-43}.
والله أعلم.