الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء النهي في السنة عن الحلف بغير الله تعالى وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. رواه البخاري.
ويشتد النهي أكثر إذا كان ذلك بأيمان الطلاق لأنها من أيمان الفساق، كما ورد ذلك في حديث اختلف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: الطلاق والعتاق من أيمان الفساق. والحديث له شاهد كما قال صاحب كشف الخفاء: قلت ويؤده معنى حديث ما حلف بالطلاق مؤمن ولا استحلف به إلا منافق. رواه ابن عساكر. انتهى، هذا فيما يتعلق بحكم الحلف بالطلاق.
أما بخصوص ما صدر من أبيك من أيمان طلاق فمجمل القول فيه أنه إذا وقع منه حنث في ثلاث من هذه الأيمان وكان قاصداً بها إيقاع الطلاق فإن ذلك يقع كما نوى، وبالتالي فإن أمك قد بانت منه بينونة كبرى لا تحل له حتى تتزوج زواجا صحيحا ويدخل بها زوجها ثم يفارقها بموت أو طلاق، وأما إن كان يحلف بالطلاق بقصد الحث أو المنع ولم يقصد وقوع الطلاق بوقوع ما علقه عليه فإن الحكم كذلك عند جمهور أهل العلم، وعليه فإن كان ذلك وقع من أبيك فالواجب عليه مفارقة أمك في الحال لأنها أجنبية عنه لا يجوز له الخلوة بها فأحرى أن يفعل معها ما يفعل الزوج مع زوجته، وإن كان قد حصل ذلك منهما فيجب عليهما التوبة من ذلك والاستغفار؛ لأن ذلك يعد زنا، ولا يخفى ما في الزنا من القبح والحرمة، كما بينا في الفتوى رقم: 10108.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن من حلف بالطلاق قاصداً مجرد التهديد أو المنع وحنث، فإنه لا يلزمه في ذلك إلا كفارة يمين ولو تكرر ذلك، ما دام لا يقصد بالحلف بالطلاق طلاقاً.
أما بالنسبة للأولاد الحاصلين من وطئه بعد أن طلق ثلاثا فإنهم يلحقون به ويحد في هذه الحالة إن كان عالماً بحرمة ما فعل، وهذا يعد من المسائل التي يجتمع فيها الحد والنسب، قال ميارة في شرح للعاصمية: من تزوج امرأة ويقر أنه طلقها ثلاثا وعلم أنها لا تحل له إلا بعد زوج، ووطئها وأولدها، فيحد ويلحق به الولد، أو يتزوج المرأة الخامسة ثم يقر أنها خامسة ويطؤها وهو يعلم أنها لا تحل له، أو يتزوج المرأة ويطؤها وهو يعلم أنها لا تحل له بنسب أو رضاع مع علمه بعدم حلية ذلك فيحد ويلحق به الولد في المسائل الثلاث. انتهى.
والله أعلم.