الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى أن بر الوالدين شأنه عظيم، فإنه ثاني أفضل الأعمال بعد الصلاة، وضده وهو العقوق ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك. والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا ليس المقام مقام بسط وتفصيلٍ، والأم مقدمة على الأب في ذلك، فقد خصت بالذكر في الآيات وقدمت على الأب في الأحاديث مثل قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً {الاحقاف: 15}. وفي الحديث المتفق عليه: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: ثم أبوك. وجعلت الجنة تحت قدميها، فقد روى النسائي من حديث معاوية بن جاهمة السلمي: أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يار رسول الله أردت أن غزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجلها. فعليكم أولا وقبل كل شيء التوبة إلى الله عز وجل من هجرها وعدم تكليمها كل هذه المدة، والاعتذار لها وطلب السماح منها، وفعل كل ما من شأنه أن يرضيها عنكم، ثم لا يضركم بعد ذلك بقاؤها على مقاطعتكم وهجركم ما دام أنكم تفعلون كل ما تستطعيون لإرضائها، ولا تعتبرون عاقين بعد ذلك إن شاء الله، وننبه إلى الأمور التالية: ليس عليكم إثم في عدم طاعتها في معصية الله، بل يجب عليكم عدم طاعتها في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في حديث الصحيحين: لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف. 2ـ كل ما ذكرت من تصرفاتها غير المقبولة عقلا وشرعا لا يسقط حقها في البر والإحسان إليها، ولا يسوغ هجرها وقطيعتها. 3ـ نوصيكم بالصبر عليها مراعاة لحقها، كما أن عليكم أن تذكروا أنها قد صبرت عليكم كثيرا في حملها لكم وتربيتكم والسهر عليكم وإبعاد الأذى عنكم، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ونحيل على الفتوى رقم:56541. لمزيد من الفائدة