الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ورد الوعيد الشديد في جحد وإنكار الأب ابنه، فقد ثبت في النسائي وأبي داود والدارمي واللفظ له وصححه حسين أسد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .... أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين.
وما أتت به المرأة لمدة ستة أشهر فأكثر بعد عقد النكاح عليها وإمكان حصول الوطء بعده فهو لاحق بالزوج، والأصل في هذا ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش. قال النووي في شرحه: معناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا له يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفاً، ومدة إمكانه منه كونه ستة أشهر من حين اجتماعهما. انتهى.
هذا وقد اتفق الفقهاء على أن الخلوة بمثابة الوطء في لحوق نسب الولد بها، وهذه نصوص بعض أصحاب المذاهب في ذلك، قال السرخسي الحنفي: وإن كان الطلاق بعد الخلوة لزمه الولد إلى سنتين لأن النكاح بالطلاق قد ارتفع إلى عدة، ولما جعلنا الخلوة بمنزلة الدخول في إيجاب العدة؛ كذلك فيما يبنى عليه وهو ثبوت نسب الولد.
وقال صاحب التاج والإكليل المالكي نقلا عن المدونة: وإذا تصادق الزوجان بعد النكاح الفاسد أو الصحيح على نفي المسبب لم تسقط العدة بذلك لأنه لو كان ولد لثبت نسبه؛ إلا أن ينفيه بلعان. انتهى.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: .... لو خلا بها فأتت بولد لمدة الحمل لحقه نسبه وإن لم يطأ.
وأما إذا وقع الطلاق قبل الدخول وأتت المرأة بولد فإذا أنكره الزوج وصدقته لم يحتج إلى ملاعنتها، وإن كذبته فلا بد من لعان، قال صاحب منح الجليل المالكي: ..... ولو كانت الزوجة غير مدخول بها وظهر بها حمل فأنكره الزوج وصدقته صدق بغير لعان عند مالك وأبي القاسم، وقال ابن الماجشون: لا ينتفي إلا بلعان ولو ادعت أنه منه لم ينفه إلا بلعان؛ إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم عقده فتحد. انتهى.
وعلى هذا فولد المرأة التي أتت به بعد العقد عليها وحصول الخلوة بها لمدة ستة أشهر فأكثر لاحق بزوجها ولا يفيده إنكاره ما لم ينفه بلعان.
والله أعلم.