الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر أهل التفسير أن الآية الكريمة المذكورة نزلت بمكة، وقد ذكروا أن المراد بالاستغفار من بقي فيهم من المسلمين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقيل: المراد باستغفارهم استغفار بعضهم برجوعه إلى الإسلام والدخول فيه من جديد كما وقع لبعضهم. وقيل قولهم: غفرانك، وقد استبعده بعض المفسرين لأنه لاعبرة باستغفار المشرك. قال ابن عاشور في التحرير: من البين أن ليس المراد بيستغفرون أنهم يقولون: غفرانك ونحوه، إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعمل يخالفه "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" تحريض لهم على الاستغفار والرجوع إلى الإسلام، وتلقينا للتوبة، وزيادة في الإعذار لهم، على معنى قول الله تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ، وقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.
وعلى ذلك. فليس معنى الآية أن الله تعالى يقبل استغفار المشركين لأن الإيمان شرط في قبول الطاعة كلها. ولا شك أن الكافر إذا عمل عملا صالحا في الدنيا يثيبه الله تعالى عليه في الدنيا، ولكن لا نصيب له في الآخرة، فهذا من عدل الله تعالى ورحمته أنه يعطي كل ذي حق حقه، قال القرطبي: والاستغفار إن وقع من الفجار يدفع به ضرب من الشرور والأضرار. ونقل عن بعض السلف قوله: أربع من كن فيه كن له: الشكر، والإيمان، والدعاء، والاستغفار. وثلاث من كن فيه كن عليه: المنكر، والبغي، والنكث.
والحاصل أن الله تعالى لا يقبل أعمال المشركين الصالحة، وإنما يجازيهم عليها في الدنيا بالرزق أو رفع العذاب .. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 45340.