الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم حجة لنا لا علينا، ولتعلم -أخي الكريم- أن الذي يريد أن يسعد بحفظ القرآن الكريم ويتشرف بحمله لا بد له من مراجعته وتعهده والإكثار من تلاوته وتدبره، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها.
فلا بد من التضحية وبذل الجهد في المحافظة على كتاب الله تعالى، فحفظ القرآن الكريم وتعهده وتدبره والعمل به منزلة عالية لا يصل إليها إلا من وفقه الله تعالى، فبذل جهده وضحى بوقته لنيل تلك الدرجة العالية التي لاحظ فيها للكسالى والمهملين..
فقد روى الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم عن ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً وموقوفاً بألفاظ متقاربة: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه، أو يغضب فيمن يغضب، ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن. ولتبشر بالخير الذي يسرك إذا سرت على هذا الطريق طريق القرآن وحفظه والمحافظة عليه, ولتعلم أن المسلم إذا حفظ القرآن أو شيئاً منه أنه قد ارتقى إلى منزلة لا ينبغي له النزول عنها والتراجع دونها بعدما أكرمه الله تعالى بها.
والتراجع يكون بإهمال ما حفظ وعدم مراجعته حتى يضيع، ونعوذ بالله تعالى من أن تكون من الذين قال الله فيهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. قال أهل التفسير: ومن هجرانه عدم تلاوته ومراجعته..
ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى، والمحافظة على ما حفظت، وأن تخصص وقتاً للمراجعة وزيادة الحفظ حتى تستدرج النبوة بين جنبيك، ولتعلم أن أسباب نسيان القرآن كثرة الذنوب والمعاصي، كما قال بعض السلف: ما نسي القرآن إلا بسبب ذنب اقترفه صاحبه. فنسيان القرآن مصيبة يصاب بها العبد، والله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من حملة القرآن الذي يقال لهم يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19089، 49327، 54579.
وعليك أن تعرض عن هذه الوساوس التي ذكرتها، فإنك ما دمت قد قصدت وجه الله والدار الآخرة عند إرادتك الحفظ فإنه ما يوسوس به الشيطان بعد ذلك لا يؤثر.
والله أعلم.