الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت نهي الشارع عن ادعاء الإنسان نسباً غير نسبه الأصلي فقد روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه -وهو يعلم أنه غير أبيه- فالجنة عليه حرام. وقد روى البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر.
وقد روى مسلم أيضاً من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وروى البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار.
قال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه.... الحديث: يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة.
وقد وضح أهل العلم معنى الكفر المذكور في الحديث فقد قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما: أنه في حق المستحل -أي من استحل فعل هذا مع علمه فقد كفر-، الثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه. انتهى.
وقد رجح ابن حجر في الفتح أن المراد كفر النعمة وأن ظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك ، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر، وقال رحمه الله: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتاً ونفياً لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له.
وعلى هذه الأدلة بنينا فتوانا السابقة في تحريم الانتساب لغير الأب، ولم نبن فتوانا على ما قلت إنها مقدمات خاطئة في سؤال ابن عمكم، فالانتساب إلى غير النسب الأصلي لا يجوز سواء كانت القبيلة التي تنتسبون إليها تحترمكم أو تهينكم، وأما من كانت بينه مع قبيلة علاقة خؤولة أو حلف مع احتفاظه بنسبه الأصلي فلا حرج عليه في هذا الحلف ولا في الاحتفاظ باتصاله وعلاقته مع تلك القبيلة مع احتفاظه بنسبه الأصلي، ويدل لهذا ما في حديث الصحيحين: إن بنت أخت القوم منهم.
وفي صحيح البخاري: أن حاطباً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم. قال ابن حجر في شرحه: قوله كنت امرأ من قريش أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضاً بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم. انتهى كلام ابن حجر.
ولا يعارض هذا حديث مسلم لا حلف في الإسلام فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغب فيه، كما قال النووي وابن حجر.
فالحاصل أنا بينا في الفتوى السابقة تحريم ترك الإنسان نسبه الأصلي وادعاءه نسبا غيره ولم ندع لفك علاقات الحلف والصداقة مع قبيلة أخرى ما لم تكن فيما لا يرضي الله تعالى، هذا وننصحكم بالحرص على حل مشاكلكم بالتي هي أحسن والحرص على البعد عن الوقوع فيما يجر للوقوع في تباغض الأرحام.
والله أعلم.