الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي ظهر من سؤالك أنك أحرمت متمتعا ثم أدخلت الحج على العمرة قبل الشروع في طوافها فصرت قارنا، وهذا جائز في المذاهب الأربعة. ثم فسخت القران إلى عمرة في يوم عرفة بعد الوقوف بها، وهذا لا يجوز في المذاهب الأربعة. وإنما جوز الحنابلة للقارن فسخ قرانه إلى عمرة بشرط أن لا يكون قد ساق الهدي ولم يكن قد وقف بعرفة. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ومن كان مفردا أو قارنا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى، ويجعلها عمرة، إلا أن يكون معه هدي، فيكون على إحرامه، أما إذا كان معه هدي فليس له أن يحل من إحرام الحج ويجعله عمرة بغير خلاف نعلمه، وقد روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، ومن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. متفق عليه. وأما من لا هدي معه ممن كان مفردا أو قارنا فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج وينوي عمرة مفردة فيقصر، ويحل من إحرامه ليصير متمتعا إن لم يكن وقف بعرفة، وكان ابن عباس يرى أن من طاف بالبيت وسعى فقد حل وإن لم ينو ذلك، وبما ذكرناه قال الحسن ومجاهد وداود، وأكثر أهل العلم، على أنه لا يجوز له ذلك، لأن الحج أحد النسكين، فلم يجز فسخه كالعمرة. اهـ.
وعليه، ففسخ القران بعد الوقوف بعرفة غير صحيح، وتعتبر باقيا على إحرامك بالقران ومادمت قد أتيت بطواف الإفاضة فحجك صحيح ولا شيء عليك، إذا كنت قد أتيت ببقية المناسك من المبيت بمنى والرمي وغير ذلك من الواجبات، وإنما عليك فدية لما ارتكبته من المحظورات التي من قبيل الإتلاف كحلق الشعر وتقليم الأظافر، وأما ما كان من قبيل الترفه كلبس لمخيط والطيب ونحو ذلك فلا شيء عليك لجهلك، والفدية هي ذبح شاة في الحرم، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع من الطعام لكل مسكين، أو صيام ثلاثة أيام.
وننبهك إلى أنه لا يجوز أن يسأل عن الأحكام الشرعية إلا العلماء، لأن الله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، ولا شك أن الذي أوقعك في هذه المتاهات هو سؤال غير المتأهل للإفتاء فتنبه لهذا الأمر في المستقبل.
والله أعلم.