الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمغارسة بالصفة المذكورة محل خلاف بين أهل العلم، فذهب الجمهور إلى عدم صحتها، قال التمرتاشي في تنوير الأبصار وهو حنفي: دفع أرضا بيضاء مدة معلومة ليغرس وتكون الأرض والشجر بينهما (لا تصح).
وقال صاحب الإنصاف وهو حنبلي: لو كان الاشتراك في الغراس والأرض فسدت وجها واحداً. انتهى.
وذهب المالكية إلى جوازها، قال خليل وهو مالكي: وشركة جزء معلوم: في الأرض. والشجر، لا في أحدهما. قال عليش في منح الجليل، في شرح قول خليل السابق: (لا) تصح المغارسة على وجه الشركة بجزء معلوم (في أحدهما) أي الأرض أو الشجر لخروجها عن موردها، فيها إن قلت له أغرس هذه الأرض شجرا أو نخلا، فإذا بلغت كذا وكذا فالأرض والشجر بيننا نصفين جاز.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وأما المغارسة على وجه الشركة بينهما في الأرض والأشجار معا فلا تجوز عند الحنفية والحنابلة، وذلك لاشتراط الشركة فيما هو موجود قبل الشركة، لأنه نظير من استأجر صباغا يصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ، فكان كقفيز الطحان، كما علله الحنفية، وإذا فسدت المغارسة بهذه الصورة، فالثمر والغرس لرب الأرض تبعا لأرضه، لأنها هي الأصل وللآخر قيمة غرسه يوم الغرس، وأجر مثل عمله، كما صرح به الحنفية، وقال المالكية: تجوز المغارسة بشركة جزء معلوم في الأرض والشجر.
وإذا تقرر هذا، فعلى القول بفساد المغارسة، فالأرض والشجر لورثة رب الأرض، ولورثة أبيك، وورثة ابن عم أبيك، قيمة الغرس يوم غرسه وأجر العمل، وعلى القول بصحتها وهو الذي نرجحه هنا -وهو قول المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه صاحب الإنصاف- فلورثة ابن عم أبيك أن يتصرفوا في ملكهم في الأرض والشجر بهبته لورثة مالك الأرض الأصلي أو ببيعه لهم ولا أحقية لكم في طلب شرائه بالشفعة، لسببين:
الأول: لأن التصرف المجيز للشفعة هو عقد المعاوضة، وهو البيع وما في معناه، وذلك باتفاق الفقهاء، فلا تثبت الشفعة في الهبة لأن الأخذ بالشفعة يكون بمثل ما ملك فإذا انعدمت المعاوضة تعذر الأخذ بالشفعة.
الثاني: أن ورثة مالك الأرض شركاء لهم في الأرض والشريك مقدم -في الشفعة على الجار- عند عامة أهل العلم.
والله أعلم.