الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا ويصبرك على هذا البلاء، واعلمي أن الدنيا دار ابتلاء يبتلى فيها المؤمن على قدر إيمانه، ولعل الله أراد أن يرفع درجتك ويزيدك من الحسنات ويمحو عنك من السيئات، فابتلاك بهذا البلاء، ولا شك أن الاتهام في العرض والشرف هو البلاء المبين، فالحر الشريف خير له أن تضرب عنقه ويسفك دمه من أن يخدش عرضه، أو يدنس شرفه؛ ولذا سمى الله القذف بالإفك والبهتان العظيم، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلى قوله تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ* وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ {النور:15-16}.
وإذا علمت أن هذه الآيات قد أنزلت في حق أم المؤمنين عائشة، الصديقة بنت الصديق حين رماها من رماها بالإفك هان عليك الأمر، بل لك أن تعلمي أن الكفار من قوم مريم الصديقة عليها السلام قالوا عنها كما حكى القرآن: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا {مريم:27-28} ليهون عليك الأمر أكثر.
وأما الزوج فنقول له: اتق الله في نفسك وأعلم أنه لا يجوز لك قذف زوجتك بما هي بريئة منه، فإن قذف المحصنات المؤمنات من أكبر الكبائر ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. وأنه يجب عليك معاشرة زوجتك بالمعروف، كما أمر الله بقوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، ولا سيما وقد أفنت شبابها في خدمتك وخدمة أولادك، وتحملت معك الصعاب، وذاقت معك الحلو والمر، -كما يقال- فما تفعله ليس من الوفاء وحفظ العهد الذي هو من الإيمان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فجعل يأكل من الطعام، ويضع بين يديها، فقلت: يا رسول الله، لا تغمر يديك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد أو حفظ العهد من الإيمان. رواه الطبراني في المعجم الكبير.
فقد كان عليه الصلاة والسلام وفياً مع خديجة حتى بعد موتها، ونقول له أخيراً: إن لم تقدر زوجتك وتحترمها فعليك احترام أولادك وبناتك الذين بدون شك يؤلمهم ويجرحهم سب والدتهم وقذفها وطردها من المنزل، فإن كان هناك مشكلة عند زوجتك فالمشاكل لا تحل بالسب والشتم والاتهامات والطرد من المنزل، فهناك طريقة شرعية للتعامل مع الزوجة إن حصل منها نشوز، قد تقدم الكلام عنها في فتاوى سابقة منها: 17322.
وننبه الأخت إلى أنه لا يعالج الخطأ بالخطأ، فلا يجوز لك الامتناع عن فراش زوجك إذا رغب في معاشرتك، ويمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 9572.
فأدي الواجب عليك وأسألي الله تعالى الذي لك، والجأي إلى من يكشف الضر وينصر المظلوم فإنه نعم المولى ونعم النصير، ومع هذا كله فلك أن ترفعي أمرك إلى من يأخذ الحق من زوجك ويرغمه على ترك الإضرار بك من ضرب أو سب أو شتم ونحو ذلك.
والله أعلم.