الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإجماع يصعب تحققه، إلا أن القول بدفع الحدود بالشبهات نقل الإجماع عليه ابن المنذر، وقد بوب عليه كثير من المحدثين منهم الترمذي والبيهقي والهيثمي وابن ماجة وابن أبي شيبة، ونقلوا فيه بعض الأحاديث التي لا تخلو أسانيدها من كلام ونقلوا فيه آثارا عن السلف، ولم نعلم من السلف الأول من قال بخلافه، وقد ذكر المباركفوري في شرح الترمذي: ما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فإنه يصلح للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهات. وراجع للمزيد في تخريج الأحاديث التلخيص لابن حجر ونيل الأوطار للشوكاني، وراجع في بحث كلام أهل العلم في المسألة المغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، والمجموع للنووي. وأما معنى كونه يدرأ بالشبهة فالمراد أن السلطان والقاضي إذا كان هناك شبهة محتملة تفيد عدم ثبوت الحد أو تؤثر في حال من ثبت عليه الذنب، فإنه يعمل بها ولا يحد المتهم، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، كما في حديث الترمذي. وأما كون أمر الشبهة نسبيا وأنه قد يرى بعض القضاة ما لا يراه غيره، فإن القاضي الذي لا يرى شبهة في الموضوع يتعين عليه العمل بما ثبت عنده، وأما الذي عنده شبهة فهو الذي يتوجه إليه الكلام بالدرء بها. هذا، وننبه إلى أن أهم ما ينبغي الاعتناء به في هذا المجال أن يكثر العبد الدعاء ويبذل ما أمكنه في إقامة حدود الله في أرض الله على عباد الله. ففي الحديث: إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة. رواه النسائي وصححه الألباني. وعليه قبل ذلك وبعده أن يبذل ما أمكنه في تقوية إيمان العباد حتى يحجزهم إيمانهم عن الوقوع فيما يوجب الحدود. فإن السعي في هذين الأمرين أنفع للأمة من إثارة الأقوال ونقاشها.
والله أعلم.