الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإيثار بالقرب معناه أن يقدم المسلم أخاه في أمر من الأمور الدينية التي تقرب إلى الله تعالى، وهذا القول (لا إيثار في القرب)، ذكره بعض أهل العلم في القواعد الفقهية، واستدلوا له بما في الصحيحين وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله (وضعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
قال النووي في شرح مسلم: وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب، وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوط النفس دون الطاعات، قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الإيثار بالقرب، وهذا هو الصواب إن شاء الله، وقد عد ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد ذلك غاية الكرم والسخاء والإيثار، فقال رحمه الله تعالى: وقول من قال من الفقهاء لا يجوز الإيثار بالقرب لا يصح.. وذكر من الأدلة على ذلك عدة آثار عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم منها: أن أبا بكر ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك، وهذا يدل على أن الرجل يجوز له أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة... وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه... وقد آثرت عائشة عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي، وسألها عمر ذلك فلم تكره له السؤال ولا لها البذل...
وعلى هذا؛ فلا كراهة في الإيثار بالقرب، ولو كان فيه كراهة لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟. وقد ختم ابن القيم بحثه الطويل في هذا الموضوع بقوله: وهل إهداء القرب المجمع عليها والمتنازع فيها إلى الميت إلا إيثارا بثوابها، وهو عين الإيثار بالقرب.... وبإمكانك أن تطلع على البحث بكامله في الجزء الثالث من الزاد ص 221 وما بعدها لأن المقام لا يتسع لأكثر من هذا.
والله أعلم.