الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما أنت فيه من البلاء دليل على حقارة الدنيا وأن متعتها زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن ما عند الله خير للأبرار، واعلم أنك إن صبرت ولم تضجر أو تتسخط فإن أجرك عند الله عظيم جزيل، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}، وانظر الفتوى رقم: 51946.
والواجب عليك أن تبادر بالتوبة مما تلمّ به من الذنوب والتي منها إطلاق البصر إلى ما حرم الله النظر إليه، وبخصوص الاستشكال الذي أوردته؟ فنقول: إنه لا تعارض بين قبول توبة من أذنب ثم يعود، وبين توقف قبول التوبة على استيفاء شروط قبولها.
فإن التائب من الذنب إذا استوفى شروط التوبة النصوح والتي منها الندم على ما قارفت يداه والعزم الأكيد على عدم العودة لذلك الذنب فإن الله يقبل توبته ويمحو ذنبه، فإن عاد إلى نفس الذنب فإن الله لا يغلق باب التوبة دونه، بل يقبله إذا عاد نادماً عازماً على عدم العود لما يسخط الله، فالله لا يقبل توبة من لم يندم، ولا من هو مصرّ على معاودة الذنب، وانظر الفتوى رقم: 1909.
وأما الأخلاق وأعمال الإيمان، فبعضها واجب وبعضها مستحب، ولا بد من تحصيل الواجب للدخول في زمرة المؤمنين، وأما من أراد أن يدرج نحو الكمال فعليه أن يزيد من الأعمال المستحبة.
ومن أعمال الإيمان الواجبة: أركان الإسلام لمن استوفى شروطها، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وموالاة المؤمنين ومحبتهم، ومعاداة الكافرين والبراءة منهم وغير ذلك.
ومن أعمال الإيمان المستحبة: ما شرعه الله ولم يفترضه على عباده كنوافل العبادات وذكر الله مطلقاً وقراءة القرآن، قال الله تعالى: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..... رواه البخاري، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4478، 12178، 20666، 24093، 24211.
وأما قولك إنه يصعب الابتعاد عن المنكرات وأداء كل معروف، فنقول: إن من أراد رضوان الله والجنة فلا بد له من مجاهدة، فإن سلعة الله غالية وقد حُفَّت بالمكاره، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
وإن مما يعينك على الاستقامة على طريق الهداية سؤال الله أن يشرح صدرك ويلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان ونفسك، ثم اتخذ صحبة صالحة من المؤمنين، فإن صحبتهم من أعظم المعينات على الثبات على طريق الحق، ففتش عنهم وانتظم في سلكهم، واعبد الله معهم، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 16976، 23498، 15219، 21743.
والله أعلم.