الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة التوبة قبل ان يدهمك الموت ولا ينفعك الندم حينئذ.
واعلم أن الشأن في المؤمن أنه لا ينسى ذنوبه، وإن بعد عهده بها، بل إنه يراها كجبال توشك أن تقع عليه، فهو مع توبته منها دائم الوجل، والخوف من عواقبها، ويرجو من الله أن يغفرها له.
واعلم كذلك أن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله توبة نصوحا فإن الله يقبل توبته ويغفر ذنبه. قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 104}. وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن الله يبدل سيئات التائب حسنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70}.
هذا، وإن من تمام توبتك أن تسعى في طلب العفو ممن أخطأت في حقه بقدر المستطاع، ولكن لا تواجهه بما كان بينكما، بل قل له قولا لا يوقعه ويوقعك في الحرج، فاستحلَّه استحلالا إجماليا كأن تقول له: قد كان بيننا خلطة ومعرفة قديمة، وقد يكون بدر مني بعض الأخطاء في حقك، فسامحني.
ثم اعلم أنه لا تأثير لذنبك الذي تبت منه على عبادتك، وأن ما تفعله من الطاعات إذا استوفى شروطه وأركانه ولم يكن ثمة موانع فإن الله يقبلها ويثيبك عليها، ولن يضيعها عليك. قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ. ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 7479.
والله أعلم.