الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بين الله جل وعلا أن لكلا الزوجين حقاً على الآخر، وأوجب على كل طرف الوفاء بهذا الحق حال الزوجية واستمرارها، وحال إرادة الفراق وعدم الوفاق . قال تعالى في شأن الحال الأول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228}. وقال في شأن الحال الثاني: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{البقرة: 229}. وقال تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{البقرة: 237}. وقد أوجب الله عز وجل للزوجة حقوقا على زوجها ، من هذه الحقوق المعاملة والمعاشرة بالمعروف قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{النساء: 19}. وقد حرم الله جل وعلا إبقاء الزوجة في العصمة بقصد إذايتها ومضارتها، وسمى ذلك اعتداءً وظلماً، قال جل وعلا: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ {البقرة: 231}. وقد ثبت مرفوعا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه الإمام أحمد في مسنده وهو أيضا في سنن الدارقطني. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الرجل على حسن عشرة زوجته والإحسان إليها، والرفق بها، ومن ذلك ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. وصححه الألباني. وما رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم خيركم للنساء. وصححه الألباني..وقال صلى الله عليه وسلم مبينا مسؤولية الزوج تجاه زوجته في الحفظ والإحسان : والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته . متفق عليه. وهذه الأعمال التي ذكرتها السائلة هي في الأصل محرمة حتى ولو في غير حق الزوجة، : فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بحسب امريءٍ مسلمٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي، وغير ذلك من الأخبار الدالة على تعظيم حرمة المسلم بوصفه مسلماً، فكيف بزوجته التي خصها الله تعالى بمزيد عناية من حسن العشرة بالمعروف، والإحسان إليها كما تقدم فلا يجوز بحال سب المرأة ولعنها ، إذ أن العقوبات المشروع للزوج استخدامها إنما شرعت لتقويم المرأة، وليس للتشفي منها، أوإهانتها.وفي الحديث السابق : ولا تقبح ، أي لا تقل لها قبحك الله ونحو ذلك مما يعد سباً أو شتماً. وهذا أنس رضي عنه يقول : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، لا والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي : أف قط . ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ رواه أحمد. وأي شيء يجنيه المرء من سب زوجته ولعنها وإهانتها، إلا الإثم وزيادة الفرقة والبغض بينهما.
إن القوامة مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق الزوج، ومعناها أن يقوم على زوجته بما يصلح من شؤونها وشؤون بيته. واستخدامها على هذا النحو من الإساءة هو من قلة الفقه في الدين.
فإذا تقرر هذا، فَليعلم هذا الزوج أنه قد ارتكب إثماً وقارف ذنباً والواجب عليه المسارعة إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى والاعتذار عما فرط منه في حق زوجته ، أما مسألة الشكوى للغير من باب المشورة وطلب النصح فلا حرج في ذلك وتقدم بيانه في الفتوى رقم 29617
والله أعلم.