الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعمل في صيانة الطابعات من حيث الأصل جائز؛ إلا إذا كانت هذه الطابعات تستخدم في طباعة ما هو محرم، مثل الأفكار الهدامة، والمذاهب المنحرفة، والدعوة للعلمانية والخروج عن أحكام الإسلام، ومثل طباعة صور النساء المتبرجات والإعلان عن الخمور ونحو ذلك، لعموم قوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2}. ولا يؤثر في هذا كونها تستخدم مع هذا في طباعة ما هو مباح أو إسلامي لوجهين:
الوجه الأول: أن في صيانتها ذريعة محققة للاستخدام المحرم، وقد حرم الله الذرائع المفضية إلى المعاصي ونهى عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الشر والمعصية ينبغي حسم مادته، وسد ذريعته، ودفع ما يفضي إليه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، مثال ذلك ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يخلون الرجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان. وقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا ومعهما زوج أو ذو محرم، فنهى صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية والسفر بها، لأنه ذريعة إلى الشر.اهـ .
ومعلوم أن طباعة المباح وما هو إسلامي وإن كان مصلحة إلا أنها مغمورة في جنب المفاسد التي أشرنا إليها، وهذا يتضح بالوجه الثاني:
الوجه الثاني: أن المصالح إذا اجتمعت مع المفاسد وكانت المفاسد غالبة فدرأ المفاسد الغالبة مقدم على جلب المصالح. قال العز بن عبد السلام: إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله تعالى فيهما، لقوله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن 16} وإن تعذر الدرء والتحصيل فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة. قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219} حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما. اهـ
والله أعلم.