الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نص أهل العلم على كراهة رفع الخطيب يديه للدعاء في الخطبة. قال البهوتي في كشاف القناع: ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، قال المجد: هو بدعة وفاقا للمالكية والشافعية وغيرها. ولا بأس أن يشير بأصبعه فيه، أي دعائه في الخطبة، لما روى أحمد ومسلم أن عمارة بن رويبة رأى بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة. اهـ.
وأما المأموم لم يرد فيه نص، ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن حكمه باق على الأصل وهو استحباب رفع اليدين له، وذهب آخرون إلى إلحاقه بالإمام، وراجع الفتوى رقم: 4095.
وأما التأمين على الدعاء في الخطبة فمطلوب عند سماع دعاء الخطيب، وينبغي أن يكون سرا. قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره في معرض حديثه عما يجوز للمأموم فعله أثناء الخطبة: وإقبال على ذكر قلَّ سِرا كتأمين وتعوذ عند ذكر السبب.
وظاهر كلام الدردير والدسوقي في شرح هذا المحل أن التأمين في هذه الحال مندوب، وراجع أقوال العلماء فيه في الفتوى رقم: 26612.
وأما الدعاء عند المرور بآية رحمة والتعوذ عند المرور بآية عذاب في الصلاة وخارجها فمشروع، ولا بأس برفع الصوت بقدر يسمع من بقربه، فقد روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا مر بآية تعوُّذ تعوَّذ. وهذا يدل على جواز ذلك للإمام، ولا مانع من قيامه بذلك في المسجد وغيره، ويدل الحديث أيضا على أن حذيفة كان يسمعه.
إلا أن المأموم لا يؤمن على دعائه، بل يوافقه فيما يقول. قال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب: ويستحب لمن مرت به آية رحمة أن يسأل الله تعالى، وإن مرت به آية عذاب أن يستعيذ منه، لما روى حذيفة رضي الله عنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ البقرة فما مر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ. ويستحب للمأموم أن يتابع الإمام في سؤال الرحمة والاستعاذة من العذاب، لأنه دعاء فساوى المأموم الإمام فيه كالتأمين.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: قال الشافعي وأصحابنا: يسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة، أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب، أو بآية تسبيح أن يسبح، أو بآية مثل أن يتدبر. قال أصحابنا: ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد، وإذا قرأ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ قال: آمنا بالله، وكل هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها، وسواء صلاة الفرض والنفل، والمأموم والإمام والمنفرد، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين، ودليل هذه المسألة حديث حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مضى بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بآية سؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. رواه مسلم بهذا اللفظ، وكانت سورة النساء حينئذ مقدمة على آل عمران. وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ولا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ...
وأما رفعه ليديه في الصلاة فلم ينقل ذلك والأصل أن الدعاء في الصلاة في غير القنوت لا ترفع فيه اليدان كالدعاء بعد التشهد، لا للإمام ولا للمأموم ولا للمنفرد، وأما خارج الصلاة فلا حرج في الرفع للقارئ والمستمع.
والله أعلم.