الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقراءة الفاتحة في الصلاة عند الحنفية تجب في الأوليين مع سورة، وتندب في الأخريين وحدها دون قراءة سورة معها، فالجمع المشروع بينها وبين سورة إنما هو في الأوليين فقط. وأما الجمع بينهما في الثالثة والرابعة فمكروه تتريها؛ بل يكتفى بالفاتحة. قال ابن نجيم في البحر الرائق: ثم الفاتحة واجبة في الأوليين من الفرض، وفي جميع ركعات النفل، وفي الوتر والعيدين، وأما في الأخريين من الفرض فسنة. وقال ابن عابدين رحمه الله تعالى في الحاشية: الواجب في الأوليين كل منهما. وقال الكاساني في بدائع الصنائع: أما الواجبات الأصلية في الصلاة فستة: منها: قراءة الفاتحة والسورة في صلاة ذات ركعتين، وفي الأوليين من ذوات الأربع والثلاث، حتى لو تركهما أو أحدهما: فإن كان عامدا كان مسيئا، وإن كان ساهيا يلزمه سجود السهو. اهـ. وهذا بالنسبة للإمام والمنفرد.
وأما المأموم فلا يقرأ عند الحنفية لا في سرية ولا في جهرية لا في الأوليين ولا الأخريين، بل عليه الإنصات في وقت القراءة ولو لم يسمع قراءة الإمام. قال الزيلعي في تبيين الحقائق: ولا يقرأ المؤتم ـ أي سواء جهر الإمام أو أسر... والإنصات فرض بالنص... يعني قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا {الأعراف: 204}. والإنصات لا يخص الجهرية، لأنه عدم الكلام؛ لكن قيل: إنه السكوت للاستماع لا مطلقا. وحاصل الاستدلال بالآية أن المطلوب أمران: الاستماع والسكوت، فيعمل بكل منهما. والأول يخص الجهرية، والثاني لا، فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا.
وأما ضم السورة إلى الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة فمكروه تنزيها لا تحريما، وقد فصل ذلك ابن عابدين في الحاشية أيضا فقال: لايكره تحريما بل تنزيها لأنه خلاف السنة. قال في المنية وشرحها: فإن ضم السورة إلى الفاتحة ساهيا يجب عليه سجدتا السهو في قول أبي يوسف لتأخير الركوع عن محله، وفي أظهر الروايات لا يجب لأن القراءة فيهما مشروعة من غير تقدير، والاقتصار على الفاتحة مسنون لا واجب. اهـ.