الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن يقر عينه بهداية أبنائه جميعاً وببرهم إياه، إنه سميع مجيب، وإن كان الأمر كما ذكر من القيام برعاية الأبناء وتأديبهم وتعليمهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم فقد وفى بما يجب عليه تجاههم، نسأل الله أن يثيبه على ذلك، كما يجب عليه أن يعدل بينهم في الهبات والعطايا إلا لمقتض كحاجة أحدهم دون البقية مثلاً، لما بيناه في الفتوى رقم: 1242.
كما لا يجوز له أن يقصد الإضرار بهم وحرمانهم من الإرث، وإذا فعل ذلك لم يقبل فعله شرعاً، ولم يلزم من فعله حرمان ابنه من الميراث، بل يجب على الورثة بعد ممات الأب أن يعطوا هذا الابن نصيبه من التركة، وما ذكره السائل عن هذا الرجل من بيع منزله لزوجته لا يخلو من أحد أمرين:
الأول: أن يقوم ببيعه لها بيعاً صحيحاً تترتب عليه آثارالعقد الصحيح، من ملكه هو للثمن، وحيازتها هي للبيت، والتصرف فيه كما تتصرف في مالها، فإن كان هذا الواقع فقد تم البيع وملكت هي البيت.
الأمر الثاني: أن يكون بيعاً صورياً لا حقيقة له، وإنما هو حيلة لحرمان بعض الورثة، فهذا لا تملك به المرأة المنزل المذكور ولو سجلته ، ومنه يعلم أنه لا يحق له أن يحرم أولاده من إرثهم في المنزل بهذه الحيلة، ولكن له أن يهبهم إياه هبة منجزة، بأن يخرج عنه ويخليه من متاعه ويُشهِد على ذلك.
فإن فعل هذا فقد تمت الهبة، ولا يعد هذا من إيثار بعض الأولاد على بعض المحرم في الهبة ما دام قد زوج الكبار وعلمهم، وهؤلاء لا يزالون صغاراً غير قادرين على الكسب محتاجين إلى سكن يؤيهم.
ثم إنه لا ينبغي للأب أن يترك الزوجات يؤثرن في علاقته بأبنائه فيفسدنها بالقيل والقال، مما يزرع العداوة والبغضاء بين الأبناء، وليجتهد في الدعاء لهم عسى الله أن يصلحهم جميعاً ببركة دعائه، ويؤلف بين قلوبهم، فتلك نعمة عظيمة، وقد امتن بها سبحانه على عباده المؤمنين، كما في قوله: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا {آل عمران:103}، ونسأل الله سبحانه أن يؤلف بين قلوب أبنائك ويذهب عنهم الحسد والشحناء والبغضاء إنه سميع مجيب.
والله أعلم.